موسم حصاد التطبيع ..الدّور القادم على من؟

بقلم: محمد الرصافي المقداد

تسلسل حركات دول التطبيع مع الكيان الصهيوني، في نسق متعجّل، كأنما يسعى أصحاب مشروعه (أمريكا والكيان الغاصب) إلى هدف غير معلن، وهؤلاء المطبعين الأربعة الذين يقف وراءهم النظام السعودي، واقعا لا وزن لهم في ملف القضية الفلسطينية، ولا يكانوا في يوم من الأيام من أنصار الشعب الفلسطيني الحقيقيين، فكل ما قدموه من مساعدات – كانت ذر رماد وخداع يخفيان وراءهما علاقات سرية تآمرية- لا تساوي شيئا في مقابل ما ضحى به الفلسطينيون طوال فترة احتلال أرضهم.

أربعة دول كشفت عن قناع زيفها، تجاه ما كان يأمله أشقاؤهم من مساعدتهم، ودعمهم من أجل استرداد حقوقهم في ارضهم، وقيام دولتهم عليها، بلا منٍّ مِنْ أحد عليهم، وأقلّ الواجب تجاه هذا الشعب المظلوم، أن لا يعينوا عليه عدوّه فيعترفوا به، وهو غاصب لحقوقهم ومنكّل بمقاوميهم، فأين ذهبت شعارات هؤلاء ومواقفهم تجاه القضية الفلسطينية؟ وهل لهذه التعابير الجديدة دلالات حقيقة، على تحالف قائم في الخفاء بين اسرائيل والدّول العربية المطبّعة، برعاية أمريكية، هدفها مواجهة الجمهورية الاسلامية الايرانية عسكريا؟

أما ذهاب ماء وجه هذه الدول،( الامارات العربية البحرين السودان والمغرب ) فلا يبدو حاصلا، بعد أن رضي المغرب بالتطبيع العلني صاغرا، وقد كان يأمل أن يستجاب له في تطبيع يبقى سريّا، فوقع رفض طلب الملك، ووضع أمام الامر المقضي، هو وحكومته الاخوانية الراضية بالتطبيع، حيث لا اعتبار لمن خان القضية حتى لدى الاعداء، وجدّية أمريكا والكيان الصهيوني في هذا الملف، تتجاوز مرحلة التعامل السري والخفي معه، الى مرحلة جديدة ترتقي الى التحالف العسكري، التعاون الاقتصادي، والتمثيل الدبلوماسي في أعلى مستوياته.

الشعوب التي لا تكافح ولا تضحي من أجل قيمها ومبادئها الدينية والوطنية لا تستحق الاحترام، وجدير بها أن تكون معرة هذا العالم. وحسب صحيفةrealites  التونسية الصادرة باللغة الفرنسية: (يبدو أن الدول العربية والإسلامية الأخرى ستحذو حذوها، نحن نتحدث في الواقع عن اتفاق أبراهام، وبحسب صحيفة نيويورك تايمز الجادة، فإن سلطنة عمان وتونس مدرجتان على قائمة الدول التي يمكن أن تطبع مع إسرائيل، كما ستكون هناك دول آسيوية ودول جنوب الصحراء في إفريقيا، ستتخذ نفس المسار.

لكن الصحيفة بمنطق سلبي، احتملت امكانية تطبيع تونس مع الكيان الصهيوني، غاضة الطرف على شعب أبيّ بتاريخه المقاوم، يرفض رفضا قاطعا، دخول بلاده تحت سقف التطبيع، مهما كانت المغريات، وعلّقت: ( يجب القول إن الموقف التونسي من التطبيع غامض إلى حد ما. خلال زيارته لباريس ،استجوب رئيس الحكومة هشام مشيحي حول إمكانية التطبيع مع المحتل، فأجاب بلطف: "هذا ليس على جدول الأعمال"، تاركًا الباب مفتوحًا على مصراعيه للتفسير.(1)
وتعبير المشيشي ليس فيه لطف - كما يدّعي كاتب الخبر- بل هو قطع طريق على السائل، وما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار هنا فقط، موقف الرئيس قيس سعيد من التطبيع بكونه خيانة وليس خيانة فقط، وإنّما هو خيانة عظمى، النابع من موقف الشعب التونسي، ومناصرته لأشقائه الفلسطينيين في قضيتهم العادلة، وقد اثبتته تونس بموقفها الشجاع الأخير، حيث لم تسمح هي ولا الجزائر للرحلة 555 القادمة من مطار بن غوريون في اتجاه مطار الرباط ( المغرب) بالمرور عبر أجوائهما.

وبحسب مصدر خبري تونسي، فإن الرحلة اتخذت مسارا شماليا، يمر بالبحر الأبيض المتوسط، عبر المجال الجوي اليوناني، ثم الإيطالي، ومنه إلى الإسباني، وأخيرا إلى العاصمة المغربية، (2)

وأمّا ادراج صحيفة نيويورك تايمز تونس مع سلطنة عُمان، فهو من باب الاثارة فقط، وخلط البريء بالمدان نوع من السياسة الخبيثة التي يمارسها الاعلام الغربي في التأثير على الرأي العام ومعنوياته، وجمع النقيضين معا في سلّة واحدة من شأنه أن يخلط الأوراق ويُفقد ثقة الشعب برئيسه الذي يرفض قطعا التطبيع من حيث المبدأ، ولا تبدو حكومته ولا كتل من مجلس الشعب في صفه بخصوص هذا الموقف، بسبب عقلية أن المصالح عندهم قبل المبادئ، كما يقول تجّار المبادئ: إذا اعترضتك عاصفة فلا تقاومها، ودعها تأخذك الى حيث تشاء.

موقف سلطنة عمان متوقع، أن يذهب الى حيث ذهب اليه من سبقها من الدول العربية، فهي معدودة من بين أوائل المطبعين، ونذكر جيدا، أن رئيس وزراء الكيان الصهيوني (ناتنياهو)، كان قد زار مع وفد مرافق له مسقط، قبل عامين وشهرين 26/ 12/2018، والتقى بالسلطان قابوس بن سعيد (3)، وفحوى ذلك اللقاء لم يكشف عنه، ولكنه لا يبعد عن مشروع الشرق الاوسط الجديد، المعنون بصفقة القرن، وما تحمله معها من حوافز واغراءات لعبيد الدنيا، وفاقدي الشرف من أجل عيش الذّل والهوان تحت نظام استكباري صهيوني عالمي لا يعني عنده الاسلام ولا قيمه الانسانية شيئا.

ملك المغرب الذي اقدم على التطبيع، متحدّيا موقف شعبه الرافض له، برهن أنه لا يفقه من السياسة الاسلامية شيئا – وهو الذي تلقبه حاشيته بالمغرب بأمير المؤمنين – ولا يقيم وزنا لموقف شعبه، كأنما المغرب ومن فيها ملك له ولنسبه الشريف، الذي شوّهه بمواقف لا تمت الى الشّرف بصلة، طمع في انهاء قضية الصحراء الغربية (الساقية الحمراء ووادي الذهب) لصالح عرشه، بوعد أمريكي لن يتحقق أمام القرارات الدولية الصادرة عن الامم المتحدة، قد باع حق الشعب الفلسطيني بوهم اغواه به الامريكان والصهاينة، وبالتالي فإنه قد زاد من غضب وعنق احرار المغرب عليه، وفي اعتقادي أن عرشه ستكون أيامه معدودة بعد الذي حصل، ولن يُعدم الشعب المغربي أحراره.

المصادر

1 – https://www.realites.com.tn/2020/12/normalisation-avec-israel-la-tunisie-serait-sur-la-liste-selon-le-new-york-times/

2 – الجزائر وتونس تمنعان طائرة التطبيع الاسرائيلية من التحليق في مجالهما الجويّ

arabic.sputniknews.com/arab_world/202012221047591959

3 – رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في زيارة قصيرة إلى سلطنة عمان

bbc.com/arabic/middleeast-45992457

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى