محاكمة أمريكا والغرب أولى من حميد نوري
بقلم: محمد الرصافي المقداد
لقد تورّطت الدّول الإستعمارية الغربية في جرائم بحق الإنسانية، خلال فترة بسط نفوذهم العسكري العنصري على بلدان افريقيا وآسيا، استغلالا لمواردها الطبيعية والبشرية بالقوّة المفرطة وإرهاب الشعوب بالحديد والنّار، قليل من تلك الجرائم ما وقع توثيقه وكثير ذهب منسيّا مسكوتا عنه، سوى بعض الوثائق الباقية، والإعترافات الصادرة من جنود وضباط من تلك الدّول، آثروا البوح بما ارتكبته أيديهم في البلدان المتضرّرة، شعورا منهم بالذنب الذي جنته أيديهم، ومحاولة للخلاص من عذاب الضمير، الذي ظل يلاحقهم طوال حياتهم، هذا بالنسبة لمن امتلكوا شيئا من الإنسانية وتأنيب الضمير، أما غير هؤلاء، وقد شكّلوا الأغلبية، فلا فرق بينهم وبين وحوش البرية.
هذه الدّول مع سجلّها المليء بالانتهاكات، وضعت أنفسها في مقام المدافع عن الحريّات وحقوق الإنسان في العالم، ومعتبرة أن ما يصدر عنها من تقارير مزيفة في معظمها، متّهمة دولا بعينها بانتهاك حقوق الإنسان، بكون تلك التقارير مصداق واقع تعيشه دولة من الدول المستهدَفَةِ، تكون في الغالب عدوّة لسياسات الغرب ومناهجه الفكرية، رافضة الإنصياع لمجمل سياساته، كما هو حاصل بالنسبة لإيران الإسلامية، وتمادي الدّول الغربية في صناعة أوهام، وتسويقها للعالم على أساس رعاية القانون الدولي الخاص بالحريّات والحقوق، قد سمح به سكوت أغلب دول العالم، باستثناء البعض عن المطالبة بحقوقهم، والوقوف بوجه حملات تزييف الحقائق، وتشويه سياسات الدول التي تُعتَبَرُ مخالفة للتمشّي الغربي في إخضاع العالم لمشيئته.
في محاولة جديدة – وهذه المرّة من السويد – بدأ الإعداد لمسرحية محاكمة القاضي الإيراني (حميد نوري)(1)، والغرب الحاقد على النظام الإسلامي لم يجد مستمسكا لتشويهه، غير الإدّعاءات الكاذبة، التي تثيرها عادة جماعات إرهابية معادية، كمنافقي خلق الهاربين إلى أحضانه، والذين يتشكّل منهم عادة أيّ تحرّك مضادّ للنظام الإسلامي، بعدما فقدوا وجودهم داخل ايران بتحالفهم مع الغرب، وتآمرهم على التجربة الاسلامية، من أجل اسقاطها بقوة الإرهاب، الذي كانوا يديرونه بعد انتصار الثورة الإسلامية، وقتلوا خلاله مئات من علماء وقادة المسيرة الثورية، لقد كان من باب أولى محاكمة هؤلاء الإرهابيين أعداء الشعب الإيراني، ومن سمح لهم بالإقامة في بلدان الغرب، من حكام كان دافعهم الوحيد الحقد على الإسلام وأهله.
اليس أولى لأدعياء حقوق الانسان زورا أن يتّجهوا الوجهة الصحيحة في اتهم الدول الاستعمارية ومحاكمتها على جرائمها التي لا تحصى بحق الشعوب التي كان خاضعة لها بالقوّة الباطشة؟
لماذا يا تُرى لا يثيرون جرائمهم خلال فترات احتلال البلدان الأفريقية والآسيوية، وهي جرائم ارتكبت بحق الأهالي المدنيين، دون تمييز بين مواقعهم، أيُسكتُ على أعمال القتل الجماعي في هيروشيما وناكازاكي مثلا، كأنّ الذين ماتوا هناك لا حق لهم في الإنسانية، وتثار اليوم مسألة اعتقال قاض إيراني حكم على إرهابيين بما يستحقون، وفق الدستور الإسلامي الذي لا يعترف به الغرب ومن احتضنوه من إرهابيين، سعوا بعد الثورة الإسلامية إلى مواجهة نظامها بالقوة، لإزالته من الحياة السياسية الإيرانية، مع أنّه اختيار شعبي، تحقق باستفتاء وافق عليه أغلبية الشعب الإيراني.
فليتجرأ هؤلاء على محاكمة النظام الأمريكي في ما ارتكبه جنوده خلال الحرب الكورية التي ذهب ضحيتها ما يزيد على الخمسة ملايين انسان خلال ثلاث سنوات (1950/1953)(2)
ولتتواصل محاكمته بما ارتكبته قواته من مجازر بشعة بحق الفيتناميين (1955/1975) للحيلولة دون توحيد بلادهم كما حصل بالنسبة للكوريتين، وتتناسى المنظمات الحقوقية قتل العمد ودون مبرر لعشرات آلاف المدنينن اليمنيين اطفالا ونساء وشيوخا ورجالا دون تمييز استعملت القوات الأمريكية فيها أسلحة محرّمة دوليا منها قنابل النابالم الحارقة والغازات السامّة والوبائية بلغ عدد ضحاياها حوالي 3.8 مليون شخص.(3)
لقد كان من الأجدر بدعاة حقوق الإنسان وحماة مواثيقه، الممضى عليها من دول الغرب، والمستهينة به سلوكا وتصرّفا، أن تحاسب الإدارة الأمريكية على جرائم قواتها المرتكبة في أفغانستان والعراق وسوريا، ففيها من التجاوزات ما لا يقلّ شأنا، عما ارتكبوه في البلدان المشار إليها سابقا، وتدخّلاتهم السافرة تلك، كانت بهدف الهيمنة على موارد تلك الدول، والتحكّم في أنظمتها بما يبقي على مصالحها فيها قائمة.
أليس من العدل النظر إلى هذه الإستحقاقات الصريحة، والموثقة تاريخيا بالتدوين والصور والشهادات؟ وهل يمكن ان نصدّق أن العالم بأسره عمِي عما جري ويجري على الشعب الفلسطيني، من قتل ودمار ممنهج، ترتكبه يوميا القوات الصهيونية بحق أبنائه وأرضه، فلا يمرّ عليهم يوم دون وقوع جريمة أو جرائم قتل بدم بارد، أو انتهاك بحقه من هدم بيوت وجرف بساتين وقلع أشجار.
وأين الرأي العام العالمي، ومنظمات حقوق الإنسان والدول الراعية له مما يجري في اليمن من قتل وتدمير لبناه المتواضعة، وهو من أفقر شعوب المنطقة وأكثرها استضعافا، ولولا أنه شعب كريم اصيل متعفف لخضع واستكان لمعتديه، أليس من حق هذا الشعب أن يقرر مصيره بنفسه دون تدخل من أحد؟ إن هدف هؤلاء المعتدين عربا كانوا أم غربا أم صهاينة، هو الموقع الإستراتيجي لليمن، ومضيق باب المندب هدفهم الحقيقي وليس كما يدّعون من شرعية جعلوها مبررا لعدوانهم، أنّ تدخلهم لمصلحة الشعب اليمني، إنّهم يكذبون، ليسوا سوى مجرمين يتظاهرون بالصلاح.
أليست هذه الأنظمة الغربية المجرمة أولى بالمحاكمة من قاض إيراني، نفّذ أحكاما بمقتضى القانون والدستور الإسلامي لم يخرج عن نصوصه بهوى شخصيّ؟ هذه الدّول – كما نعرف جميعا – تحارب حكم الله في إعدام القتلة والمفسدين في الأرض بحسب تأثير وقوة فسادهم، ويريدون من الدّول الأخرى بالاغراء ونحوه الغاء أحكام الاعدام بحق هؤلاء المجرمين، وهذا ما يأباه كل مسلم ولا يرضاه كل منصف (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) (4)
لقد كان من الأجدى لحكومة السّويد أن لا تقبل بمحاكمة سياسية لقاض لم يرتكب ما لفّقه منفقوا خلق من ادّعاءات بخصوصه، الغاية من وراء ذلك إثارة مشاكل للرئيس الجديد لإيران، الذي اختاره الشعب الإيراني بأغلبية أثبتت شعبيّته، الأهداف معروفة ولن يصلوا إليها أبدا، وتبقى هذه الإثارات مجرّد غبار حقد وكراهة، يثيره أعداء الثورة والنظام الإسلامي،
سرعان ما يذهب بذهاب مثيريه، ويبقى الصّرح الإسلامي ثابتا شامخا عزيزا وأعداؤه يتجرّعون غصص نجاحاته غصّة تلو الأخرى.
المصادر
1 – عضو لجنة الموت 1988.. بدء محاكمة القاضي الإيراني حميد نوري في ستوكهولم
https://www.elbalad.news/4920430
2 – إحياء الذكرى الـ70 للحرب الكورية التي فتكت بـ 5 ملايين إنسان
https://www.bbc.com/arabic/world-39628599
3 – حرب فييتنام
https://ar.wikipedia.org/wiki/
4 – سورة البقرة الآية 179