لا يثق بالدول الغربية إلا متواطئ معهم
بقلم: محمد الرصافي المقداد
صناعة الوهم واختلاق الأكاذيب سياسة دأبت عليها الدول الغربية، واشتغلت على ذلك أجزتها الإستخبارية والإعلامية المتعددة وحتى السياسية، بحكوماتها ودوائرها الرسمية، إلى منظماتها الغير حكومية الخاضعة لها في الحقيقة، والمنفذة لأهدافها بدهاء ومكر كبيرين، واذا نظرنا الى الازمات الواقعة في مناطق مختلفة من عالمنا، وجدنا أن أغلبها مفتعل، ومن صناعة القوى الغربية وتدبيرها، من أجل ضمان سيطرتها وهيمنتها عليه، وما يصرح به هؤلاء من دعاوى بعد صناعة الازمات وتثبيتها، هو مجرد تعابير انشائية، أملاها الدهاء السياسي، النابع من قناعات القوى الغربية، في السيطرة والتحكم في ما عرفوه بالعالم الثالث.
تهديد الممثل الخاص للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون المكلف بالملف السوري جاء تزامنا مع اعتبرته الجماعات الإرهابية المسلحة بمناسبة ذكرى الثورة المزعومة: لا يجوز أن يفلت المسؤولون عن الجرائم في سوريا من العقاب (1). كما نعرف جميعا – باستثناء من أبى- فأن الدول الغربية الإستعمارية ومنهم فرنسا قد إرتكبوا جرائم فظيعة بحق الشعوب التي استعمروها، في انتهاكات لحقوق الإنسان التي تغنوا بها طويلا وجعلوها عنوانا لمدنيّتهم الزائفة، ومن أجل تحقيق مكاسبهم، تسقط الأديان ومبادئها والإنسانية وقيمها ولا يبقى سوى العقلية الإستعمارية المستكبرة التي لا تقيم وزنا لأي قيمة أخلاقية، ظاهر هذه الدول حضارة وتمظهر بالتقدم والرقي، وباطنها توحش وإجرام لا مثيل له.
لقد كان من باب أولى بهذا الدبلوماسي الفرنسي، أن يلتفت إلى جرائم فرنسا في فيتنام والجزائر وتونس والبلدان الأفريقية وأينما وطأت أقدام جيشها، فيخجل من نفسه وبلاده وهي تطالب بشيء لم تجرؤ على تقديمه من نفسها قصاصا للشعوب المتضررة بل لم تقبل حتى بالإعتذار على ما إرتكبته من جرائم بحق تلك الشعوب وأكبرها جناية تجاربها النووية في صحراء الجزائر وعلى مقاومين جزائريين وقعوا أسرى بين أيدي جيشها الإرهابي، فحولتهم الى فئران تجارب أول قنبلة نووية ألقتها هناك.
ما يقصده هذا الفرنسي بتصريحه – بحسب سياسة بلاده المعتدية والداعمة للإرهاب – هو تلبيس النظام السوري بجرائم لم يرتكبها وأخص بالذكر منها الضربات الكيماوية، التي نفذتها الجماعات الارهابية المسلحة، بحق قرى محددة بالشمال السوري، أو فبركتها جماعة الخوذ البيضاء المدعومة من الغرب، لاستكمال المشهد المأسوي للشعب السوري، واستغلاله بما يدين نظامه، باستعمال الأسلحة المحرمة دوليا، وصناعة الكذب مخطط درج عليه الغرب لضرب أعدائه، وحقوق الإنسان التي يتبجح بها الغرب، ووضعها عنوانا له، لتكون وسيلته في إدانة أو تبرئة من يشاء.
كلام الدول الغربية بشأن حقوق الإنسان، مكرر ومستهلك للدعاية الخارجية فقط، وهي لا تفوق في شيء بقية دول العالم، واستهداف دول بعينها في هذا الشأن، دعاية سياسية من أجل إرباك مسيرتها الإقتصادية، أو نهضتها العلمية أو ثورتها الشعبية، فالصين الشعبية، وإيران الإسلامية، وفنزويلا ودول أخرى موضوعة في تصنيف أمريكا الباطل لحقوق الإنسان في العالم، ضمن الدول المنتهكة لتلك الحقوق، وهذا التصنيف مستثناة منه الدول الحليفة أو العميلة لها، وإن أشارت إلى بعضها، فمن باب ذرّ الرماد على العيون، وإيهام أغبياء العالم، بأن رصد أمريكا وتقاريرها، لا يشوبها حيف أو تحيز، وهنا تنفضح السياسة الأمريكية، وتظهر عارية بمكيالين.
ويبدو اليمن بشعبه مستثنى من حقوق الانسان التي يتبجح بها الغرب وزعيمته أمريكا، وما العدوان الذي تشنه قوات التحالف العربي عليه ايعاز غربي صهيوني منذ سبع سنوات، سوى عينة من تجاوزات تلك الدول على القانون الدولي بشان حقوق الانسان اليمني وما يلاقيه من عدوان طال كل شيء، ولم يسلم منه بشر ولا حيوان ولا حجر، في سلسة من الإستهدافات التي ما ان تبدأ واحدة بغارة حتى تلحقها أخرى بغارات مكثفة، دون اعتبار لشيء مستثنى على الارض اليمنية(2)، فكل شيء هناك يعتبر هدفا لقوات التحالف، إلى أن يخضع اليمن لشروط دوله، بل لنقل أنها الشروط الصهيو أمريكية، فيما يستمر تدهور الأوضاع الإنسانية باليمن، إلى حد انتشار الأوبئة، وخصوصا جائحة كورونا، ووصول الملايين من الشعب اليمني الى حافة سوء التغذية، مما يهدد جديا بمجاعة كبرى، تهدد حياة الملايين من سكانه .
ويأتي تصريح وزير الخارجية الامريكي (أنتوني بيلنكين) بأن أمريكا ستتعاون مع الحلفاء لنزع سلاح كوريا النووي(3) ليفتح أمامنا ملف الأسلحة النووية الشائك، واحتكار دول سبقت إليه بسوء نية، وتربّعت على عرشه الخبيث، عاقدة العزم على استغلاله لإرهاب من لا يمتلكه، وهو ملف يجب أن يحل بعدل وليس بمحاباة، بمعنى أنه على الدول المالكة له، أن تجتمع من أجل التخلص منه، وإنهاء تهديد البشرية بوجوده، باعتباره خطرا على الحياة بأسرها في هذا الكوكب الصغير، الذي لا يتحمل كل هذه الترسانات الموزعة هنا وهناك، وقد تدفع حماقة أي رئيس أمريكي أو غيره إلى استعماله، كما كان يهدد به المتخلي (ترامب)، لكنه بانهزامه المفاجئ في الإنتخابات الرئاسية كفي الله شره، ولا شيء في الغرب يضمن انفلات أحدهم، بارتكاب كارثة به، ولنا في تاريخ الغرب أن نيرون أحرق روما، وجلس يتفرج على السنة اللهب، تأكل ما بناه شعبه بتعب وشقاء يتهاوى بسرعة.
أخيرا بعد أن نبّهنا الله في كتابه العزيز، بعدم تولي اليهود والنصارى، هل بقي لهؤلاء المهرولين الى ظلالهم يتفيؤونها، عذر يبرر موقفهم، وقد قال تعالى شأنه: ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) (4) لا اعتقد أنه بقي لهم ما يبررون علاقاتهم، واستمرارهم عليها خيانة موصوفة بمعارضة الله ورسوله صلى الله عليه وآله، ويقبل بها أو يسكت عليها، فهو ساكت عن الحق، والساكت عن الحق شيطان أخرس.
المراجع
1- فرنسا: لا يجوز أن يفلت المسؤولون عن الجرائم في سوريا من العقاب
https://www.annahar.com/arabic/section/80-15032021062000459
2 – استمرار تدهور الوضع الإنساني في اليمن جراء تصاعد الاشتباكات المسلحة
https://news.un.org/ar/story/2020/10/1064172
3 – بلينكن: سنعمل مع الحلفاء لنزع السلاح النووي لكوريا الشمالية
https://beta.alaraby.com/news/A9-13073
4- سورة المائدة الآية 51