عندما تكون إيران قادرة على رفع التحدّي

بقلم: محمد الرصافي المقداد

لم تكن إيران زمن الشاه معروفة على المستوى السياسي، سوى كونها نظاما ملكيا مستبدّا بشعبه بائعا لحقوقه، عميلا لأمريكا وحلفاءها، وفي مقدّمتهم الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين، الذي تتسابق إليه اليوم دول عربية، تزلّفا وتواطئا تطبيعا وتآمرا على مشروع الأمة الاسلامية التحرري الذي سيبدأ من فلسطين ليعمّ المنطقة كلها، ويخرجها من ظلمات التّبعية الى نور الحرية الحقيقية.

وبعد ثورة الشعب الإيراني الفريدة في زخمها ونتائجها وأهدافها، والتي فاجأت العالم بأسره، تعمّد نسيانها البعض – بدافع عوامل طائفية وفكرية مخالفة –  مع أنها واقعا لا يمكن أن تنسى، وآثارها على محيطها شاهدة عليها، وتجاهلها البعض الآخر، مع أن تجاهلهم غير مبرر أبدا، وهم يرون بأمّ أعينهم، ظهورها بهذا الحجم من القدرة، على مواجهة التحدّيات التي اعترضت مسيرتها، واجتياز عقباتها بنجاح.

لا شكّ بأن الملف النووي الإيراني الذي ختمته مفاوضات ماراطونية، كان أهمّ المستجدّات الدّولية الراهنة، وشكّل منعرجا خطيرا بإعلان الرئيس الامريكي المتخلّي (ترامب) الخروج منه، تبريرا لتسليط عقوبات جديدة على ايران، وتكثيفها لخنق اقتصادها، وشلّ مشاريعها وعرقلة نموّها، استجابة لادّعاءات للكيان الصهيوني الكاذبة، في كون برنامج ايران النووي السلمي،  يخفي مسعى عسكريا لصناعة سلاح دمار شامل.

وبحلول الرئيس الامريكي الجديد (بايدن)، تحركت إدارته من جديد، نحو حلحلة الملفات التي أساء التعامل معها الرئيس السابق، ومن بينها الملف النووي الإيراني، ومع أننا لا نؤمن بحسن نيّة هذه الإدارة ورئيسها، ولكننا نعتقد بأنها في أدنى مستواها، محاولة لمعالجة الملف بصيغة أقلّ حدّة، مما تعامل به (ترامب) المتعجرف، أو محاولة ماكرة لاستئناف المفاوضات، بما يسمح للأطراف المشاركة فيه، وهذا متعلّق بآمال الغرب حليف الكيان الصهيوني، في إضافة ملفات أخرى للتفاوض عليها، حتى يؤمّنوا جانب الغاصبين للأرض والمقدّسات، فلا تطالهم الصواريخ الإيرانية التي بلغت مداياتها، مستوى القدرة على إرسال الأقمار الصناعية إلى الفضاء ووضعها في مداراتها.

إيران في سياستها الخارجية، مدركة للتحدّيات التي يشتمل عليه ملفّها، ومتسلّحة بتجربة سابقة بخصوص ملفها، قررت أن لا تقع فيها مرة أخرى، فحسن النيّة مع سيئي النيّة حمق، وقد اتخذت قرارا حاسما، سيجبر الغرب على الاستجابة حصرا، لتنفيذ تعهّداته برفع كافة اشكال العقوبات المسلطة عليها، قرار ايران برفع مستوى تخصيب اليورانيوم الى 20%، مع امكانية الانتقال به الى مستوى 60%، اذا احتاجت البلاد الى ذلك، وقد تصل به الى مستويات أعلى من ذلك، إذا ما سارعت أمريكا ومعها الأوروبيون إلى الإلتزام الحرفيّ بالاتفاق وتنفيذ بنوده كافة، حينها فقط ستلغي ايران خطواتها التي اتخذتها حديثا، وبما يتيحه الاتفاق لها.

لقد كان خطاب قائد الثورة الاسلامية الإيرانية الأخير واضحا في هذا الإطار، بما لا يسمح لتأويل داخلي أو خارجي، يعطي أملا لمُتمنّ بإمكانية اللعب والمناورة عليه، فقد أغلق سماحته هذا الملفّ، على أساس أن لا يفتح، إلا على ضوء رفع العقوبات الأمريكية الظالمة المسلطة على بلاده، ولا امكان آخر غير ذلك، ولا مفرّ لأمريكا الخارجة من الاتفاق، والدول الأوروبية الباقية فيه، دون أن تفي بتعهداتها، سوى بالإنتقال من بيع الوعود، إلى تنفيذها دون شرط مسبق.

قناعة النظام الإسلامي ثابتة، بأن أعداءه لا يفهمون لغة الدبلوماسية وحدها، فقد جربها من قبل، ولم يجني منها بخصوص هذا الملف، وكان عليه تغيير أسلوبه بالضغط على هذه الأطراف، من موقع قوة حقيقية، بلغها بعقول وجهود أبنائه من العلماء والخبراء، في كسب معارف التكنولوجيا العسكرية، وبناء قدرات إيران الدفاعية الرادعة لأي قوة عسكرية تحدثها نفسها بالإعتداء عليها.

من هذا الموقف القوي بدأت إيران مرحلة جديدة من التحدّي، وليس أمام أعدائها سوى حلّين اثنين، أما الإنصياع لها وتنفيذ الإتفاق معها دون شرط، أو الذهاب إلى توتير الأجواء، وافتعال عدوان غير محسوب العواقب، ولا منظور لنتائجه، الكرة كما يقولون في ملعب أمريكا وحلفاءها، والوقت يمرّ في غير صالح ما خططوا له، وعليهم التصرف بسرعة وتعقل، فليست إيران ذلك البلد الذي يستجدي سلاحه من هؤلاء، وما تمتلكه اليوم من قدرات، ليس بالأمر الهيّن، ومهما احتسبوا له من تقدير، لن يبلغوه بأكبر خبرائهم وأدقّ مختصّيهم.

منطق أمريكا الإستكباري، يمنعها من الاستجابة السريعة لرفع العقوبات عن إيران، طالما أن لقيطها الكيان الصهيوني، واقع تحت تهديد القضاء عليه من طرفها، ومشروعها في مقاومته، قد بلغ مرحلة متقدمة تجعله مؤهّلا، ليكون ضمن المواجهة المرتقبة لتحرير كامل فلسطين، ومن هنا تكون في حرج كبير، أمام التزامها بحماية ذلك الكيان العنصري الغاصب، حيث لا مفر لها من الاستمرار في تلك السياسة، وهي تدرك أنها خاسرة تماما.

ما يمكن قوله هنا بالمختصر المفيد، أن إيران اليوم أصبحت قوة عسكرية لا يستهين بها سوى الحمقى، ومن أراد أن يختبر إيران في هذا المجال – وقد جرّبتها أمريكا وهي أكثرهم معرفة بها – فليس بمقدوره أن يضمن الغلبة له، ملفّ عقّده منطق الغلبة والتفوّق الإستكباري، وحلّه من الجانب الغربي مرتهن بأمريكا التي بيدها رفع العقوبات، ويستبعد ذلك بسيطرة التأثير الصهيوني على سياساتها الخارجية، الملف مرشّح لتقلبات ومفاجآت تتأرجح بين سلمية المفاوضات، أو امكانية المواجهات، أمّا النتائج في كل الاحتمالات فلن تكون الا في صالح إيران صاحبة الحقّ، وما ضاع حق وراءه طالب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى