عبد اللطيف دربالة : تجميد البرلمان حتّى إشعار آخر هو أخطر من حلّ البرلمان
كتب : عبد اللطيف دربالة
إنّ من انتخب نواب البرلمان في الأخير هو نفس الشعب التونسي الذي انتخب رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد نفسه.. ولم يكونوا ناخبين أتوا من عالم آخر أو كوكب آخر أو دولة أخرى..!!
يوم 25 جويلية 2021 أعلن رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد بأنّ الدستور لا يخوّل له حلّ مجلس نواب الشعب.. ولذلك فقد قرّر تجميده.. معلنا بذلك ضمنيّا.. لكن بوضوح.. بأنّه كان يرغب في الواقع في حلّ البرلمان.. لكنّه قدّر بأنّ ذلك سيكون خرقا واضحا وفاضحا وصارخا للدستور.. فالتجأ على مضض إلى حيلة سياسويّة أخرى عبر حلّ بديل هو تجميد البرلمان..
علما وأنّه لا يوجد أيّ فصل في الدستور التونسي يضبط آليّة تسمّى «تجميد البرلمان»..
وبالتالي فهو إجراء غير دستوري بكلّ المقاييس..
–
للتذكير.. فإنّ الفصل 80 نفسه الذي يتحدّث عنه قيس سعيّد.. ويزعم تنفيذه له.. وأنّه يخوّل له كلّ التدابير الاستثنائيّة التي تخرق في الواقع كلّ أحكام الدستور الأخرى.. هو نفسه يمنع حلّ أو حتّى تجميد البرلمان.. لكون منطوق الفصل 80 نفسه ينصّ صراحة وبوضوح على أنّه وفي حالة إعلان رئيس الجمهوريّة التدابير الاستثنائيّة فإنّه لا يمكن حلّ البرلمان.. وأنّ مجلس نواب الشعب يعتبر حينئذ في حالة إنعقاد دائم.. بما يعني أن يكون نشيطا وفاعلا وليس مجمّدا..
تماما كما ينصّ على أنّه لا يمكن حجب الثقة عن الحكومة.. أي لا يمكن حلّها.. في حين أنّ قيس سعيّد قام بإعلان عزل رئيس الحكومة وحلّها..
–
أيّا كان الأمر فإنّ «تجميد» البرلمان والتمديد فيه لأجل غير مسمّى.. يعدّ في حقيقته حلاّ مقنّعا وخفيّا وفعليّا للبرلمان..
بل أنّ تجميد البرلمان هو أخطر من حلّه..!!
ذلك أنّ حلّ البرلمان لا يتمّ حسب الدستور إلاّ في حالات محدودة.. تتعلّق أساسا بحالات عدم النجاح في تكوين حكومة أو نيلها الثقة في أوقات معيّنة.. ولكنّ حلّ البرلمان لا يكون حسب نصّ الدستور إلاّ مرفقا بالدعوة إلى انتخابات جديدة خلال أجل تسعين يوما..
وبالتالي فإنّ حلّ البرلمان يعلّق عمل السلطة التشريعيّة لمدّة لا تتجاوز الثلاثة أشهر فقط.. ويعطي الفرصة للمواطنين لإعادة انتخاب نواب جدد خلال أجل معلوم وقصير..
ولكنّ تجميد البرلمان حتّى إشعار آخر هو حرمان للمواطنين من حقّهم في إعادة الانتخاب وفي الاختيار.. وهو أمر يتجاوز البرلمان الحالي إلى هدم للسلطة التشريعيّة.. التي هي ركن أساسيّ من أركان النظام الديمقراطي برمتّه..
–
للتذكير وللتأكيد.. فبرغم كلّ سيّئات البرلمان التونسي الحالي.. وتهريج الكثير من نوابه.. والاضطراب الحاصل بسير عمله.. والتي يعود الكثير منها إلى عوامل مفتعلة وأسباب متعمّدة.. فإنّ من انتخب هؤلاء النواب في الأخير هو نفس الشعب التونسي الذي انتخب رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد نفسه.. ولم يكونوا ناخبين أتوا من عالم آخر أو كوكب آخر أو دولة أخرى..!!
ناهيك وأنّ الانتخابات التشريعيّة تمّت وسط دورتي الانتخابات الرئاسيّة.. بما يجعلها تحتكم عموما لنفس المزاج الشعبي في نفس الفترة الزمنيّة والسياسيّة..
ولم يأت النواب ولا الأحزاب للبرلمان في قصر باردو على ظهر مدرّعة عسكريّة.. وإنّما أتوا عبر نفس صناديق الاقتراع التي أوصلت رئيس الجمهوريّة لقصر قرطاج.. وبأصوات نفس الناخبين الذين صوّت الكثير منهم أيضا لقيس سعيّد نفسه.. الذي كان هو من أغلق في النهاية مجلس النواب بمدرّعة عسكريّة.. وأحال عددا من نوابه على المحكمة العسكريّة..!!
–
لـذا فإنّ قيام رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد.. المنتخب من الشعب.. بتجميد وإحالة مجلس نواب الشعب.. المنتخب بدوره هو أيضا من نفس الشعب.. هو اعتداء من سلطة منتخبة على سلطة منتخبة أخرى.. دون أيّ أساس دستوري أو قانوني..
وهو انقلاب من طرف سياسي يحظى بشرعيّة انتخابيّة وشعبيّة ودستوريّة على طرف سياسي آخر يحظى بدوره بشرعيّة انتخابيّة وشعبيّة ودستوريّة.. واستيلاء سلطة أولى على سلطة ثانية لا حقّ لها فيها..!!