دردشة يكتبها الاستاذ الطاهر بوسمة/ وهكذا تتضح الرؤية باعفاء وزيري الخارجية والدفاع
في بلاغ صادر عن رئاسة الحكومة تم إعفاء وزيري الخارجية والدفاع الوطني بعد استشارة مع رئيس الجمهورية وذلك احتراما لمقتضيات الدستور.
رأيت ذلك ينسجم مع مواقف رئيس الدولة الذي كان واضحا في بيانه عند أدائه لليمين الدستورية أمام مجلس نواب الشعب وما سبق له قوله عند المناظرة التي أنهى بها حملته الانتخابية وخاصة الفقرة التي تتعلق بالتطبيع الذي يراه غير ذي موضوع لان حق الفلسطينيين لا يسقط بالتقادم.
صارت لخبطة وتأويلات في المواقع الاجتماعية والإذاعات والتلفازات في غير محلها بمناسبة استقبال رئيس الجمهورية لوزير الخارجية الألمانية بغياب الوزير السابق خميس الجهيناوي لأنه لم يكن من اختياره وأصبح وجوده يتعارض مع توجهاته.
لذا وبعد اتفاق مع رئيس الحكومة القائم بتسيير الشؤون، تم تعديل الحكومة وذلك بإنهاء مهام وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي الذي سبق له ان استقال ولم تقبل استقالته لأسباب شكلية ليقوم بمهامه وقتيا وزير العدل السيد كريم الجموسي، ووزير الشؤون الخارجية المذكور أعلاه ليقوم مقامه كاتب الدولة السيد صبري باش طبجي، وكاتب الدولة حاتم الفرجاني بدون تعويض، وذلك تصحيحا للأمر الواقع وتداركًا لتباطؤ تكوين الحكومة التي ستشكل على أساس الانتخابات التشريعية والتي ما زالت لم تحصل لاستقاء الاجال.
هكذا رأيت رئيس الجمهورية يحرس على احترام الدستور الذي وعد بالتقيد به لأنه يبقى الإطار الضامن لتماسك الدولة واستمرارها.
انهم يريدونه ان يحكم بفريق غيره، بينما الدستور أعطاه من السلطات التنفيذية حق إختياره لوزير الخارجية ولوزير الدفاع بتشاور مع رئيس الحكومة وهذا ما فعل.
وبالمناسبة أريد ان اذكر هؤلاء الذين باتوا يتخذون مقعدًا للرشم والتدبير وإحصاء أخطاء الرئيس إن وقعت ولو عن حسن نية أو لجهل بدواليب الحكم المعقدة وتناسوا بان الرئيس منتخب بنحو ثلاثة أرباع من الأصوات المدلى بها في انتخابات حرة مستقلة شفافة لابعد الحدود، وقد اختاره الشعب بطريقة لم تحصل قبلها في الأنظمة الديمقراطية كما أعلم منذ عهود.
لقد فوجيء البعض بانتخابه أصلا وبات البعض الآخر متأكدا من فشله حتى قبل أن يبدأ، لأنه في نظرهم غير قادر على تولي ذلك الموقع الرفيع، وبدأوا يفتشون له عن نقيصة أو زلة تشفي غليلهم لأنهم لم يعرفوا الشعب لما يريد، وكيف يتصرف لما يكره الطرق السابقة ويقرر اختيار من يمثله بحق وبدون ان يتغير وتهزه المظاهر البراقة الكاذبة وتقام بين الرئيس وبين مواطنيه، انهم لن يرونه بعد صعوده للحكم وغلق الأبواب عليه.
وهل رأيتم كيف عاد الأمل في الشباب وحتى في الأكبر منهم سنا ومعرفة، ونزلوا تلقائيًا لتنظيف الشوارع والأحياء في المدن والقرى التي اهملت سابقا ولم يعمل من كان قبله رئيسا، وخالف كل تعهداته وبقي بين أسوار قصر قرطاج جالسا بعدما أحاط نفسه بمجموعة من الموردين لتسبح بحمده.
انه لن يكون رئيسا يشبههم في عمله وحياته وقراراته التي يأخذها من واقع المحيط الذي يعيشه ويحسه الشعب وقد رأيناه مثلًا يؤدي صلاة الجمعة وهي فرض على كل مسلم مكلف ومقيم وليس له عذر شرعي يمنعه من الحضور.
رأيناه كيف يجلس بين صفوف المصلين الذين بعد الانتهاء من مراسم الصلاة التفوا حوله بتلقائية صادقة ومحبة ليس لها نظيرا، لم تمنعهم حراسته التي كانت بالقرب منه لتؤدي مهمتها وكانت متيقنة بان الشعب هو من يحميه وليس عليه منه خوفًا.
لم تعجب تلك البادرة بعضهم وباتوا مشدوهين ولم يقدروا على انتقاده لأنهم على إدراك من خسارتهم وفضحهم أمام شعبهم المسلم منذ قرون، ولكنها في كل الأحوال بادرة لن تعجبهم لانهم لم يروها في المسؤولين.
ذلك هو الرئيس قيس سعيد رئيس التونسيين كلهم، وواحد منهم فله مني التحية والتقدير راجيًا من الله ان يوفقه لما فيه الخير، وأقول لهؤلاء المترددين عودوا لرشدكم واقرأوا ما قاله الله في كتابه الحكيم:
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾. سورة آل عمران الآية (26). صدق الله العظيم.
تونس في 30 أكتوبر 2019