خواطر يتذكرها ويكتبها الأستاذ الطاهر بوسمة / الوحدة بين تونس وليبيا عام 1974 : كيف حصلت ولماذا أجهضت ؟

تذكرت اعلان الوحدة الموؤودة بين تونس وليبيا التي وقعت بجربة على ورقة فندق وماتت قبل ان ترى النور وباتت ليبيا العزيزة اليوم تتعرض لصعوبات واقتتال وهجرة وتدخل الغريب فيها بدون حق أو سبب، وقلت في نفسي لو تحققت كيف يكون حالها وحالنا ولكن قولي ذلك لن ينفع أبدًا. 

كان ذلك الذي وقع يوم 12جانفي 1974 وكادت تصبح تونس وليبيا دولة واحدة وبرئيس واحد وبعلم موحد وعاصمتها القيروان ذات التاريخ المهيب والتي كنت وقتها عليها واليا.

لقد قتلوها في المهد لأنهم كانوا يخشون على مواقعهم وكراسيهم  ولكنهم لم يدركوا شيئا بعدها يذكر وماتوا كلهم قبل ان يصلوا للموقع المعلق على وفاة بورقيبة قبلهم ولكن ارادة الله كانت فوق رغبتهم.

لقد عارضها الهادي نويرة الوزير الأول وقتها وخليفة بورقيبة دستوريا بشراسة وقطع زيارته لإيران وعاد على جناح السرعة ليفشل حلما كان طلبة شمال افريقيا بفرنسا وكان معهم يتغنى بالوحدة.

ولكنهم بعد وصولهم للسلطة كذبوا وتنكروا لها بل وقاوموها بكل ما تيسر لهم من مكر ودهاء وخديعة وعاد عشقهم للحبيب الأول الذي تعلموا لغته وطباعه وعدائه للدين الاسلامي خاصة .

لقد باتوا منبتين وعلمانيين اكثر من العلمانيين أنفسهم الذين يفرقون عادة في بلادهم بين الدين والسياسة ولكنهم يتركون للفرد حريته المطلقة فيما يعتقد.

عارضتها أيضا الماجدة وسيلة وناورت عليها مع رئيس الجزائر هواري بومدين الذي أجاب بورقيبة لما بشره بالفكرة وعرض عليه الالتحاق بالركب، فكان جوابه له قائلا بأنه لن  يركب قطارا قد انطلق.

لكن الماجدة تداركت وحاولت بعدما عاد لها الرشد، ان تسترجع لبورقيبة هيبته بعدما تم تسفيهه في امر لا يمكن ان يفعله عادة العظماء،

لقد قامت بالإلحاح على القذافي الذي لم ييأس من الوحدة بترجيع تلك الورقة التي تم الامضاء عليها بذلك الفندق.

كانت ورقة عادية من اوراق نزل” أوليس” بجربة، فباتت لها قيمة كبيرة ويمكن ايداعها بمكتبة الامم المتحدة للاحتجاج بها عند الاقتضاء، وبالفعل استجاب لها القذافي ولا ندري هل سلمها الأصل ام الصورة.

تلك هي القصة التي باتت بالنسبة لبورقيبة تعد زلة، ولكنه لم يندم عليها أبدا كما قاله لاحقا وزيره للداخلية الأسبق الطاهر بالخوجة اطال الله عمره ومتعه بالصحة والعافية.

تذكرت ذلك كله وانا اتابع ما وقع ويقع في ليبيا الشقيقة التي باتت تحت القصف العشوائي ودفن الموتى في المقابر الجماعية بلباسهم، وهي مهددة بالتقسيم أيضا في الوقت الذي كان فيه العالم يتجمع.

لقد من الله على ليبيا بكل الخيرات وكان يمكن لها ان تعيًّش أكثر من 100 مليون من البشر لو تم استغلال فضائها المتسع بحكمة، واحسنت إدارتها لخيراتها الباطنية التي لن تنفد أبدا.

ثم عدت بعدها لتونس المحدودة الدخل والمساحة والامكانيات ووفرة الكفاءات التي بات بعضها يحرق بحرا ويعرض نفسه للابتزاز وللموت ايضا ليصبح لحيتان البحر غذاء بدون أن يسمع عنه اهله خبرا يسر أو يفرح.

يقول السياسيون عندنا في البلدين اننا شعب واحد، ولكن ذلك يبقي من الكلام الذي لا يسمن ولا يغني من جوع أبدا.

لقد تكرر ذلك الحال أيضا في اليمن السعيد، ورأينا كيف تبذر عائدات النفط السعودي والاماراتي في شراء السلاح للتقاتل والتدخل فيما لا يعنيهما جبرا وبدون سبب ولكن ذلك استمر وتكرر.

اما كان لتلك البلدان الغنية جدا ان تساعد اليمن لينهض من فقره وتحسن حالها عوضا عن رميها بالقنابل الحارقة التي تأتي على الاخضر واليابس وتقتل المدنيين الامنين من نساء واطفال بدون حق يذكر.

نعم أتصور بأنها لعنة نزلت علينا نحن الذين ننتمي للعروبة وندين بالإسلام ولا نعمل بما نبه الله رسوله الاكرم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في كتابه العزيز في الآية عدد 120من سورة البقرة.

    تونس في 14 جويلية 2020 

 نشر المقال بالجرأة الأسبوعية .الرابط بالموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى