بكل جرأة يكتبها محمد عبد المؤمن : السلطة تحول الشيخ الى شاب والغراب الى بلبل…
كتب محمد عبد المؤمن :
سألني صديقي المشاكس يوما :
لماذا عندما انظر في الصور واتمعن فيمن هم في السلطة ما قبلها وما بعدها اخالني انظر الى اشخاص آخرين لا علاقة لهم بمن نراهم اليوم ونشاهدهم في القنوات ؟
فكأن السماء وهبتهم سحنات جديدة جلودا جديدة وحتى عيونا غير عيونهم؟
هذا الامر رغم انه طرح في قالب هزلي ساخر الا ان علماء النفس تحدثوا عنه .
ونقصد هنا السلطة التي هي في الحقيقة اشبه بإكسير الحياة فهي تحول الشيخ الى شاب والغراب الى بلبل صداح .
بل ان السلطة قد تجعل المرء يغير قناعاته ومبادئه ويتحول الى شخص آخر مستعد لأي شيء من اجل الا يغادرها ونعني السلطة والنفوذ والجاه وطبعا المال واعطاء الأوامر.
هذا السؤال المشاكس هو في الحقيقة سؤال وجودي بلغة الفلاسفة وهو ايضا سؤال جدلي أي ما هو السر الي يجعل الجسد يكتسب القوة والينوعة بمجرد ان يدخل عالم السلطة أي ان يتحول الى صورة السيد .
ألم نتساءل يوما لماذا سمي عضو الحكومة وزيرا ومن يعين في منصب هام بمسؤول؟
دعنا هنا من الشرح المعجمي لأنه لا يعنينا بل ما يهمنا هو المعنى السياقي فالوزارة من الوزر أي الذنب والمسؤولية من السؤال أي أن صاحب المنصب سيسأل عما فعل ويفعل ثم يحاسب لكن عمليا فان التسميتين فقدتا معناهما الحقيقي وباتتا مرتبطتين بالامتيازات والسلطة ولذة السلطة.
مما يحكى عن سياسي سابق أنه سئل مرة من أحد أصدقائه وهو وزير أول: هل اعجبتك السلطة فقال هي ” لذيذة” بالنطق الدارج .
من بين الأقوال التي تستعمل في علاقة بالسلطة” العز اطري والهم اهري” وهي احالة كون السلطة تنعش وتعيد الشباب فالشيخ يعود اليه عنفوانه ونشاطه بل أن ممارسته للسلطة يوميا تجعله وكأنه يأخذ منشطات تزيد من قوته ولياقته فيغدو وكأنه شاب في مقتبل العمر والتفسير هنا نفسي ولا يهم هنا ان كان عمره البيولوجي 77 سنة أم 92 سنة .
أمر آخر يتحدث عنه علماء النفس وهو جنون السلطة فمن يتقلدها يتحول الى انسان أو شخص آخر يفعل أي شيء حتى لا يفقدها.
في الغرب هناك قوانين صارمة تمنع الوصول الى هذه الحالة ونحن نذكر آخر خطاب للرئيس الامريكي الأسبق أوباما عندما قال فيه: أنا ما زلت شابا وبإمكاني تقلد الرئاسة لفترة أخرى وأنا متيقن كوني سأفيد فيها أمريكا لكن الدستور يمنعني .
في العالم العربي هناك مرض منتشر بل هو وباء فتاك وقاتل ومدمر هو عشق السلطة وجنون السلطة وهذا لا يشمل الرئيس أو الزعيم فقط بل نحن نتحدث عن المناصب من أول الهرم الى أعلاه فمن يتقلد منصبا يصاب فجأة بهذا “الفيروس” ويتحول الكرسي الى مغناطيس يجذبه وفي نفس الوقت فانه يعض عليه بالنواجذ وبيديه وساقيه وأسنانه وأظافره وأشياء أخرى حتى لا يفقد لذة السلطة والتسلط والحكم والامتيازات .
في العالم العربي السلطة هي هاتف تعطى به التعليمات وهي حاجب على الباب يطرد من لا شأن لهم وسكرتيرة جميلة تنظم المواعيد الهامة مع من لهم شأن وسلطة مقابلة وهي سيارة فاخرة وهي أيضا حسابات بالبنوك السويسرية أو ببنما.
تونس ليست استثناء فمرض السلطة وجنونها قديم بقدم التاريخ وحتى بعد أن ثار من لا يمكن لهم أن يكونوا في السلطة يوما دارت الدوائر وأعيد توزيع الأوراق لتتبدل وجوه بوجوه لكن الحال هو الحال والوضع هو الوضع بل ما تغير لا يتجاوز أن عدد من يطمحون للدخول في دائرة السلطة والجاه تزايد عما كان عليه .