بكل جرأة يكتبها محمد عبد المؤمن : أمريكا تريد نهاية للصراع مع إيران…
كتب محمد عبد المؤمن
مثلت الخطوة التي اقدمت عليها الادارة الأمريكية الجديدة مؤشرا واضحا كون واشنطن لديها رغبة كبيرة بل وملحة في انهاء الصراع مع ايران والانطلاق في مفاوضات حول ملفها النووي .
الخطوة المقصودة كانت دفع الأوروبيين الى التخلي عن مشروع قرار في الوكالة الدولية للطاقة الذرية وهي بادرة حسن نية وهو ما اعلن عنه الناطق باسم الخارجية الامريكية كون واشنطن تأمل من ايران ان تعود للحوار.
هذا الخبر الذي تم تداوله في شكل تصريح لممثل الخارجية الامريكية ينهي بشكل كلي حقبة سابقة هي حقبة المجنون ترامب الذي ورط بلاده في ملفات كثيرة منها مع ايران حيث ان الاتفاق الذي حصل في فترة ادارة اوباما حقق للطرفين ومعهم الاوروبيين مطالبهم وخلق توازن قوى ادى لاستقرار مهم لكامل المنطقة.
ترامب مدفوعا من اليمين الاسرائيلي ألغى الاتفاق بجرة قلم ظنا منه ان خصمه سيخضع للأمر الواقع ويقبل كما اطراف اخرى تتعامل معها الولايات المتحدة بأن يقدم حزمة شروط وطلبات فيقال له السمع والطاعة بل يرقصون معه بالسيوف ويمنحونه مئات مليارات الدولارات ثم يعود الى بلاده فيصفهم بالبقرة الحلوب .
الامر هنا مختلف تماما فالواقع ليس تابعا ومتبوعا بل صراع بين الكبار كل لديه أسلحته ونقاط ضغطه .
هنا علينا ان نطرح جملة من الاسئلة لنفهم الملف بصورة واضحة.
ماذا كان يريد ترامب وجعله يلغي الاتفاق السابق؟
ما هي الخطوط الحمراء لإيران والتي لن تقبل التفاوض فيها .
ما هي نقاط قوة كل طرف ؟
بالنسبة لترامب فقد اراد ربط الاتفاق النووي بالمشروع الصاروخي الايراني وهو امر ترفضه طهران قطعيا بشكلين . الاول انه منفصل عن الملف النووي . والثاني ان التخلي عن آليات ردعها لمواجه الاعتداء مرفوض .
ترامب ايضا وبدفع من اسرائيل يريد تحجيم دور ايران وعدم السماح لها بامتلاك ناصية العلم والتكنولوجيا لان اسرائيل ترى ان هذه الميزة حكر عليها في المنطقة وترفض ان ترى طرفا اقوى منها .
بالتالي فناك خطوط حمراء بالنسبة لإيران غير قابلة للتفاوض او مجرد التحاور حولها من اهمها امتلاك العلم والتكنولوجيا والبرنامج النووي السلمي لان غايتها وهذا اعلنه المرشد الأعلى علي خامنئي صراحة هي امتلاك العلم ولا نية لإيران مطلقا في تصنيع سلاح نووي بل هي تعارضه وتطالب بإخلاء المنطقة منه .
الخط الاحمر الثاني هو المشروع الصاروخي لأنه ردعي دفاعي وتؤكد كونه ليس للعدوان على احد بل للحماية والدفاع والرد على أي اعتداء يحصل من أي طرف .
ضمن كل هذا تتحرك واشنطن حاليا بعقلية جديدة يمكن ان نسمها بكونها واقعية .
فطهران ليس كأطراف اخرى في المنطقة تنتظر مكافآت امريكية او ما يقدم لها بل هي تعرف ما تريد وعندما يطلب منها التفاوض فهي تحدده بمعناه الحقيقي أي انه ليس للتنازل او انتظار الرضاء.
الامر يتوضح هنا في اصرار طهران على رفع العقوبات قبل الحديث عن أي تفاوض بل هي رفضت حتى ان يكون غير مباشر كما اقترحت واشطن بل اول خطوة للحوار والجلوس معا هي رفع العقوبات كليا .
التحرك هنا من الطرفين يراعي نقطة جوهرية وهي ان كل طرف يعلم ويدرك جيدا نقاط قوة خصمه بمعنى آخر هناك وعي كون الطرف الآخر ليس في وضعية ضعف .
فالولايات المتحدة هي القوة الاولى في العالم لكن هذه القوة ليست مطلقة والامور لا تقاس بالمقارنة بين الامكانيات العسكرية المباشرة فقط والمقصود عدد الطائرات وغيرها بل هناك تمظهرات لوجه آخر من القوة .
فايران اليوم هي قوة اقليمية ولها نفوذ مهم وكبير في امكنة عديدة ولها حلفاء استراتيجيون قادرون على التحرك والتأثير .
لكن تجاوزا لكل هذا فان المهم اليوم بين الخصمين هو انهما يخوضان حربا ناعمة وحرب اعصاب وايضا حرب تكتيكات ودهاء سياسي وحسن تصرف لان كليهما لا يريد المواجهة المباشرة ويدرك ايضا ان خصمه له نفس الهدف وهو عدم الدخول في المواجهة والأسلم الاتفاق العادل بمقياس المصالح المشتركة .