المنصف المرزوقي يكتب لكم: عندما واجهني الخبثاء بالقاروص والحمص ومرناق.. ضاعت القضية
كتب: د.المنصف المرزوقي
سكين الماء أو ”عندما ينفد الماء يتدفق الدم” رواية شيقة للكاتب الأمريكي باولو باسيجالوبي يصف فيها حربا بين ولايتين أمريكيتين نيفادا وأريزونا على ماء نهر الكولورادو لا رحمة فيها ولا شفقة بمئات الآلاف من سكان الولاية الأخرى عندما يتعلق الأمر باختيار من سيموت عطشا.
خيال؟ طبعا لكن قصص الخيال العلمي غالبا ما تستشعر أحداثا قادمة وتسبقها وتنذر بها.
على كل الحال الحرب على الماء بدأت منذ سنين وما الصراع حول سدّ النهضة بين مصر واثيوبيا إلا فصلا من فصولها…
كنت في بداية الألفين أتابع كل ما يصدر عن هذا الموضوع وعن التحول المناخي بصفة عامة وتأثيره على العالم العربي وتونس
فأُصاب بالرعب وكل الدراسات تصب في اتجاه واحد: الوطن العربي لن يكون قابلا للعيش في غضون ربع قرن على أقصى تقدير ونفاذ الماء أول سبب لحروب بين الدول وداخلها قد تؤدي لانهيار كامل للمجتمعات وفوضى سياسية عارمة.
لذلك كلفت مركز الدراسات الملحق بالرئاسة حال وصولي قرطاج للعمل على موضوع الماء لتصور برنامج وطني شامل يحمي تونس من الخطر الداهم…
وفي جوان 2013 أمضيت في طوكيو اتفاقية الإعانة اليابانية لجهر وادي مجردة وبناء محطة تحلية مياه البحر.
كان حلمي ومشروعي الذي كنت أعمل عليه ليلا نهارا أن يكون لتونس ابتداء من 2014 برنامج وطني للخمسين سنة المقبلة في أربعة ميادين: وقف التصحر، الماء، الأمن الغذائي، حماية المدن والشواطئ من زحف البحر.
واجهني الخبثاء بالقاروص والحمص ومرناق والمحمودي وقطر وأبو عياض وصدقتهم أغلبية ضحية أكبر عملية تضليل في تاريخ تونس فضاعت هذه السنوات السبع الذي كان بوسعنا أن نرى أسس هذه البرامج الوطنية توضع والسياسات الضرورية تنطلق.
اليوم عندما أسمع النقاشات التافهة حول الدستور و”الخوانجية ” والعودة لبوهم الحنين، أقول هذا مجتمع يمشي بخطى حثيثة مغمض العينين نحو الهاوية.
ها نحن نعايش قطع الماء هنا وهناك في عزّ استفحال الوباء والكارثة لا زالت في أولى بداياتها.
هل من هبة مجتمعية للوعي بالمشاكل ذات الأولوية؟
هل بقي عقلاء في هذا البلد لحوار وطني حول تونس التي سنتركها للجيل القادم أي كيف نبني استراتيجيات وطنية بعيدة المدى للماء، للبذور، للبحر، للتصحّر، لحق الأجيال القادمة في العيش أم هل فات الأوان؟
ولا بد لليل أن ينجلي