المرحوم أحمد المستيري الذي عرفته

كتب الطاهر بوسمة:

بقلوب راضية وعيون باكية تنعي تونس آخر من تبقى من رجالها العظماء الاستاذ أحمد المستيري الذي انتقل الى رحمة الله الواسعة.

لقد أفنى الفقيد المتحدث عنه كامل حياته في خدمة تونس بلده مبتدئا بالنضال من أجل إستغلالها وحرية شعبها متقلدا المواقع المتقدمة في الحزب التي ينجر عنها المخاطر من سجن وابعاد وتهميش بدون كلل أو انقطاع او تقلب.

لقد كان مناضلا قاعديا أولا ثم مسؤولا في القيادة زمن الكفاح ثم واصل ذلك بعد الاستقلال كوزير للعدل ثم للمالية قبل أن يمثل تونس في عدد من سفاراتها المهمة بموسكو والجزائر  بعدها قبل ان يتقلد وزارة الدفاع إثر وقفة التأمل وفشل التجربة الاشتراكية مع عضوية الديوان السياسي، ولكنه لم يتأخر عن التضحية بهما لما اقتنع بخطأ المسار معلنا استقالته المدوية بشجاعة نادرة ليبقي مبعدا حتى تمت إعادته للمسؤوليات بعدما صح رأيه.

لقد عهد له بعدها بوزارة الداخلية مع مهمة المقرر العام للهيئة العليا التي تولت مهام الديوان السياسي لاعداد المؤتمر المؤجل للحزب الحاكم والذي تمسك خلاله بإدخال جرعة من الديمقراطية بعدما أجمع على  ذلك الرأي اغلب الدستوريين وقتها، ولكن ذلك لم ينفع وتكرر ابعاده من الحزب والحكومة مرة أخرى مع مجموعة من انصار ذلك التوجه.

ومن أجل ذلك خير تأسيس حركة سياسية اشتراكية ديموقراطية مع مجموعة تشاطره ذلك الرأي وواصل الكفاح الى الآخر.

تلك هي نبذة صغيرة من مسيرته التي دونها بنفسه في كتاب نشره بعد الثورة وبالتحديد في شهر أكتوبر 2011 بعنوان شهادة للتاريخ لمن يريد أن يعرف أكثر.

لقد اختاره الله هذا اليوم الذي أكتب فيه هذه الكلمة رثاء له راجيا من الله ان يعده من الشهداء والصدقين جزاء له عما قدمه طيلة حياته.

وللتذكير اكتب اليوم هذه الكلمات كشاهد عاش بعض فترات تلك المرحلة، وكان للمعني بالذكر الفضل عليَّ بنيل ثقته لما كان وزيرا للداخلية في سبعينات القرن الماضي وهو الذي شرفني واختارني لتولي منصب وال على الكاف ثم قفصة بعدها والقيروان أيضا.  كان في تقديري يمثل الاستثناء الذي بقي ملتزما بالديموقراطية بدون ضعف او كلل. ويؤكد التاريخ ذلك لمن يكون منصفا.

لقد تجاهلته ثورة الحرية والكرامة التي غيرت نظام الحكم في تونس ولم ينل فيها مكانته بالرغم من أنه كان الاحق مكتفيا بالنصح والملاحظة بدون أن يشوش أو يشتكي لأحد حتى فارق هذه الدنيا الفانية ملتحقا بربه راضيا مرضيا إن شاء الله.

لذا فإنيَّ بهذه المناسبة الحزينة لا أملك له الا الترحم عليه راجيا من الله ان يتقبله بعفوه

وغفرانه ويجازيه أحسن الجزاء ويرزق اهله واحبته وتونس كلها فيه العزاء ويسكنه فراديس جنانه الواسعة وانا لله وانا اليه راجعون والسلام.

تونس في يوم 23 ماي 2021.

                                           الاستاذ الطاهر بوسمة              

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى