بقلم: محمد الرصافي المقداد
إن المتابع لسياسة الجمهورية الاسلامية الإيرانية، منذ انتصار ثورتها وقيام نظامها، يلاحظ بشكل واضح لا لبس فيه، أنها سياسة متّزنة، مبنيّة على مبادئ وقيم إسلامية أصيلة، مراعية لحقوق شعبها، وتحقيق طموحاته المشروعة، لكنها كذلك آخذة في حسبانها حقوق ومصالح الشعوب الاسلامية، بقطع النظر على مذاهبهم، وحتى الشعوب المستضعفة من بقية دول العالم، التي ترزح تحت وطأة القوى الغربية المستغلّة لها، بتأثير ثقافتها على عقول عملائها الحاكمين في تلك الدول.
أوّل خطوة خطتها إيران بقيادة نظامها الإسلامي في هذا الإطار، تطبيق شعارها الأساسي ( لا شرقية ولا غربية)، المعبّر عن الحرية والإستقلال التّام عن القوى الإستكبارية، وهو رؤية قرآنية بحتة ( شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيئ ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس)(1) فبادرت بقطع أيدي القوى الغربية عن التحكم فيها واستغلال مواردها، وكان ذلك درس مهمّ ومعبّر لكل شعوب العالم، التواقة إلى التخلص من سياسات التبعية لتلك القوى المستغلة، ولكن أين لها ان تتّبع أثر إيران الإسلامية، وقد كبّلت دولها اتفاقيات العمالة، وأوهمتها مساعدات الدول الغربية، التي لم تبلغ يوما معشار ما حبت به الكيان الصهيوني، من أجل تثبيت أركانه على أرض فلسطين السليبة.
مسألة تحرر الشعوب سياسة انتهجتها ايران الإسلامية، بواقعية قبول الأطراف المتعاملة معها، سواء أكانت شعوبا أم حكومات، فلم تتدخل في قضية استحقاقية لشعب، دون أن يكون لها دافع منه، فعندما تقدّمت لمساعدة شعب البوسنة، وعندما ساعدت الحركات الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وعندما وقفت الى جانب الشعب اليمني، وعندما قررت الدخول إلى سوريا والعراق لمحاربة آفة الإرهاب الوهابي، فبطلب من أصحاب القرار في تلك البلدان، وموافقة غير مشروطة منهم.
ما اثار عداء الدول الغربية الاستعمارية لإيران، سياستها ومواقفها من حرمة استعباد واستغلال الشعوب، وهي سياسة مستوحاة من الدين الاسلامي، ولم تقم الثورة الاسلامية الإيرانية بمبادئها المعلنة، الا على نصرة الشعوب المستضعفة، بقطع النظر عن معتقداتها، وإن كانت اولويتها تخليص الشعوب الاسلامية، من تبعات وآثار الاستكبار الغربي، فقد جاء في الدستور الاسلامي الإيراني في مادّته 152 ما يفيد ذلك:
(السیاسة الخارجیة لجمهوریة إیران الإسلامیة تقوم على رفض أي شکل من أشکال الهیمنة والحفاظ علی استقلال البلاد من جمیع النواحی، ووحدة أراضیها والدفاع من حقوق جمیع المسلمین، وعدم الخضوع للدول العظمى المهیمنة على العالم و الحفاظ على علاقات سلمیة متبادلة مع جمیع دول عدم الانحیازالمسالمة.) (2)
أما مادته 153 فنصت على: (یمنع أي شکل من أشکال المعاهدات، التي تودّي إلى سیطرة الأجانب على الموارد الطبیعیة والإقتصادیة والجیش، أو أي شأن من الشؤون الوطنیة الأخرى.) (3)
وفي موضوع أشمل تعلّق بسعادة الإنسان أكدت المادة 154 من الدستور، على أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعتبر سعادة الإنسان في المجتمع البشري كله، قضية مقدسة لها، وتعتبر الإستقلال والحرية، وإقامة حكومة الحق والعدل، حقا لجميع الناس في أرجاء العالم كافة.)
وعليه فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين، في أية نقطة من العالم، وفي الوقت نفسه، لا تتدخل في الشؤون الداخلية للشعوب الأخرى.
ونظرية الاستضعاف والاستكبار قرآنية، أخرجها الإمام الخميني رضوان الله عليه إلى واقع عالمنا المنقسم، بين عالم مستكبر، متحكّم بغطرسة تقدّمه، وآخر مستضعف، تعيش فيه أغلب دوله وشعوبه حالة الانكسار والذلّ والتبعية، داعيا هذه الدول وشعوبها إلى التحرر من ربقة الغرب وإملاءاته، ولا يمكن أن يتمّ ذلك بسهولة ويسر، دون أن يكون وراء ذلك مكابدة وتضحية، فليس من السّهل أن تقبل دول الإستكبار الغربي، بسحب سيطرتها على مناطق، كانت سببا رئيسيا في تقدمها ونموّها، بما غنمته من ثرواتها سنوات استعمارها.
لقد دعت إيران الإسلامية الدول الإسلامية، وبقية دول العالم المستضعف إلى النسج على منوالها، في قطع أيدي هؤلاء المستكبرين ناهبي خيرات الشعوب، حيث لا يمكن لأي دولة أن تتقدّم وتفتح لشعبها طريق النموّ، من دون القطع مع سياسات الغرب وإملاءاته المجحفة بحقوقها، ومن أجل ذلك حوربت بمختلف الأساليب العسكرية والسياسية والإعلامية، وعملت قوى الإستكبار العالمي بزعامة أمريكا، على تشويه صورتها الناصعة، من أجل تنفير بقية العالم منها وخصوصا العالم الإسلامي، حقيقة إيران الاسلامية في مجال توعية الشعوب المستضعفة، إبرازا لحسن نواياها، وما قدّمته من أجلهم كاف بحدّ، ذاته ليكون دليلا غير قابل للدّحض، مثبتا صدقها في مجال تحرر الشعوب من سيطرة القوى الكبرى، وهذا ما يزعج هذه القوى، ولا يجدون له حلا، بالرغم من جهودهم الجبّارة التي بذلوها في هذا الشأن.
إيران لم تغيّر من استراتيجيتها وأهدافها، فقناعتها في هذا المجال راسخة رسوخ عقيدتها، وثابتة ثبات جبال عزمها، وأنى لمن ملك إيمانها العميق أن يتزحزح قيد أنملة مما خطط له؟
المصادر
1 – سورة النور الآية 35
2 و3 و4 – الدستور الإيراني
زر الذهاب إلى الأعلى