دردشة يكتبها الأستاذ الطاهر بوسمة / لقد أصبحت نهضويا بدون أن أعلم
على إثر الدردشات التي تعودت نشرها تعرضت إلى بعض المشاركات عبر حسابي الخاص كانت تؤكد باني لا بد ان أكون نهضويًا مندسًا متخفيا.
ورفعًا لكل التباس أصرح بانه لم يحصل لي ذلك الشرف أو ادعيه أو أفكر فيه لأني من أتباع حزب بورقيبة الذي بت أكره أن أسميه دستوريا، لأنها كلمة باتت علامة يتاجر بها المفلسون.
لقد دخلت للحزب الحر الدستوري من صغر سني بدون بطاقة انخراط لأنه كان محجرًا في بداية خمسينات القرن الماضي وكان أغلب التونسيين منتسبًا اليه بالطبيعة لأن أهدافه تهمنا كلنا وتتعلق بتخليص تونس من الاستعمار الغير المسلم.
انخرطت رسميًا لما كنت طالبًا في سنة 1957 وتحملت مسؤوليات في شعبة طلبة مدرسة الحقوق العليا وحضرت كملاحظ في مؤتمر الحزب بسوسة لأول مرة ولم أكن وقتها ناضجًا كما يلزم، وتتبعت أعماله ولم أصوت لأني لم أكن نائبًا وكان الديوان السياسي وقتها ينتخب مباشرة.
رأيت الحملة الانتخابية لما اشتد وطيسها ونجح من نجح وأخفق من أخفق ورجعت إلى دروسي منبهرا.
كما كنت وقتها مسؤولًا عن فرع الاتحاد العام لطلبة تونس بمعهدنا وتدرجت فيه بالمسؤوليات إلى أن ترشحت وانتخبت عضوا بالهيئة الإدارية في صائفة سنة 1960 وانتخبنا فيها المرحوم محمد الصياح أمينا عاما.
لم اتمم العهدة وتخرجت في اكتوبر من نفس السنة وعينت معتمدا في خريف ذلك العام وانتقلت بين ولايات معتمديات عدة لمدة عشرة أعوام كاملة ارتقيت إثرها لخطة وال في صائفة 1970 بالكاف ثم قفصة وأخيرا بالقيروان قبل ان اعين وال للولاة بوزارة الداخلية لسنتين قبل ان أرشح من طرف الحزب لانتخب نائبًا بمجلس الأمة في نهاية سنة 1979 عن ولاية المنستير لدورة واحدة مختصرة.
كما ترشحت في ربيع سنة 1981 للجنة المركزية للحزب الذي انتمي اليه في مؤتمره الاستثنائي وانتخبت فيها لما كان عدد أفرادها 80 عضوا، ودامت نيابتي فيها إلى مؤتمر 1986 أين لم أجد اسمي ضمن المترشحين الناجحين أو الساقطين لأنه عامها لم تقع انتخابات، وتوليت علينا قائمة اختيرت من الدائرة المقربة من بورقيبة لما أعياه الكبر ولم يعد يهتم بشيء وبات تحت تأثير جماعة تسعى لخلافته بكل الوسائل والطرق.
من وقتها انقطعت عن أي نشاط حزبي إلى ان تم الانقلاب على بورقيبة في ليلة السابع من نوفمبر 1987 وتغير اسم حزبنا ليصبح تجمعًا دستوريًا.
جرت محاولة استقطابي بعدها وعرض علي أمين عام التجمع عبد الرحيم الزواري أن أترشح لمجلس النواب عن دائرة المنستير التي سبق ان كنت نائبا فيها، ولكنني اعتذرت له بأدب، لأني كنت وقتها متعهدا بقضايا الوزير الأول الأسبق محمد مزالي الذي كان مزعجًا للجماعة التي ركبت له عدة قضايا مفتعلة كي يبتعد عن المزاحمة في الخلافة وهو ما حصل.
قبل أمين عام التجمع يومها اعتذاري ويمكن أنه لطف نقله لمن كان أعلى منه رتبة، وللسيد عبد الرحيم أن يؤكد ذلك أو ينفيه إن أراد لأن جلستنا بمقر التجمع كانت على انفراد.
من ذلك اليوم لم أنشط حزبيًا أو سياسيًا إلى أن جاءت الثورة المباركة، ففكرت مع المرحوم مصطفي الفيلالي اعادة تأسيس الحزب الاشتراكي الدستوري من جديد لجمع من تبقى من الدستوريين الأحياء، ولكن ذلك تعذر لأسباب رآها صديقي وقتها ووفقته عليها.
وتكررت المحاولة مرة أخرى لما عرض علي الدكتور حامد القروي تأسيس الحركة الدستورية لنفس السبب، وبعد تردد قبلت العرض، وقمنا بكل الإجراءات التي جاء بها المرسوم عدد 87 لسنة 2011 المؤرخ في 24 سبتمبر 2011 المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية، لكنني في الأثناء انسحبت من التجربة باتفاق بيننا، لكنني خيرت البقاء مستقلا، ولم أعلن الاستقالة من الحياة السياسة، وخيرت الكتابة والمشاركة عبر وسائل الأعلام كلما طلب مني ذلك.
وفي ذلك الإطار أخذت بعدًا كافيًا بعدم التقيد بواجب التحفظ، وقررت كشف كل ما كان في حوزتي من أسرار أو آراء علها تساعد على كشف الحقيقة المغيبة، والتزمت بالحياد وبقول الحقيقة ولو كانت على نفسي، سواء لما عرفته من الإدارة أو الحزب الذي انتميت اليه ونشطت فيه لسنوات عدة، وكل ما جرى في تلك الفترة التي عشتها لأني وجدت الاعتراف يمثل الحقيقة والصواب وهكذا لم أشأ أن أخفي قناعتي وآرائي علها تكون مفيدة لتجنب تكراره الأخطاء.
ذلك هو الذي دفعني لنقد بعض التصرفات التي أراها ما زالت تشيطن من لم نكن نتفق معه في الفكر والرأي وخاصة مع جماعة النهضة التي في نظري باتت تمثل جزء معتبرا من الشعب التونسي ولها تأثيرها.
ولكنني لم انخرط فيها ولم أفكر في ذلك أبدا، ولعلها لن تقبل بي للسوابق الدستورية التي انا عليها باقيا، وما زلت افتخر وأعتز بها إلى الآن، وإزاء ذلك قررت ان لا أبقى ساكتا عن الظلم حتى لا أكون شيطانا أخرس.
أما الذي يثيرني فهو ان بعض العارفين والمثقفين ممن يقولون بأنفسهم باتوا يعمدون للتهجم على حزب مؤشر يعمل في نطاق مرسوم الأحزاب الذي ذكرته سابقا، ولم يخالف ذلك المرسوم أو يخرج على القانون أو قضت محكمة مختصة عليه بحكم اتصل به القضاء.
وعليه فان كان ما يروجونه عنه صحيحًا في الصباح والمساء هم ووسائل الأعلام المؤدلج، فلماذا لم تتحرك رئاسة الحكومة الموكول لها مراقبة الأحزاب، بالتنبيه على ذلك الحزب ليلتزم بالقانون أو تطلب من القضاء حله ان لزم، وتريحه وتريحنا.
أما الكلام المرسل بدون حجة أو دليل الذي بتنا نقرأه ونسمعه علانية، فيبقى بلا معنى ويتجه التنديد به علنا وجماعيا إن لزم.
أقول ذلك للذين يدعون العلمانية الفرنسية المغشوشة ويؤمنون باحترام حقوق الإنسان والأخذ بالديمقراطية كمكسب وطريقة للحكم في المستقبل، فكيف يمكنهم العمل على إقصاء جزء من الشعب التونسي المرسم أفراده في دفاترها للحالة المدنية وحامل لبطاقة تعريف وجواز سفر مثلنا، لكي يتجاهل ويقصى من المشهد السياسي خاصة بعدما صوت له جزء مهم من التونسيين والتونسيات في كل الانتخابات التي جرت منذ الثورة وتصحيحها.
قلت في نفسي وقتها لعلهم فكروا في جمع هؤلاء الملايين من التونسيين في جزيرة ما نائية أو نفيهم في فضاء محصن بالصحراء يعيشون فيه حدهم لأنهم باتوا من طبقة المنبوذين مثلما كان يحصل في الهند سابقا.
وأقول لهم بتعجب وبأسى أبهذا تبنى الديمقراطية التي تعلمتموها في الجامعات الفرنسية أو الذي تعلمتموه من الجبهة الوطنية الفرنسية التي اتخذت العنصرية موضوعا رسميا لها.
فإن كنتم كذلك فاني وقتها أفضل عليكم حركة النهضة التي صبرت عليكم ولم تعاملكم بمثل ما تعاملوها دائما.
وقبل أن أختم هذا الكلام أقول بان النهضة باتت تتمنى عليكم مواصلة السير في ذلك الاتجاه لأنها كلما فعلتم ذلك تكسب أكثر وتزداد قوة لأن برنامجكم يقتصر على الكره والحقد والعداوة والبغضاء وليس على المحبة والبناء، وتلك هي المعادلة.
وحتى أغلق القوس نهائيًا أقول لهؤلاء علنا يمكن لكم اعتباري رجعي أو إخواني ولكنكم لن تقدروا على تجريدي من حقي في الكتابة والكلام، لأن الثورة التي استحوذتم عليها سابقا واجهتموها لغير وجهتها، افتكت منكم ولم يعد لكم فيها شأن، بعدما صوت ثلاثة ارباع من المشاركين في الانتخابات الرئاسية لغير مرشحكم الذي تحوم حوله شكوك وشبهات ما زال القضاء لم يبت فيها بعد والسلام.
باريس في 25أكتوبر 2019