هل ينجح الرئيس قيس سعيد في ضرب أوكار الفساد
بقلم: محمد الرصافي المقداد
عندما فاز الرئيس قيس سعيد بفارق عريض، على منافسه المافيوزي المفسد في الأرض (نبيل مقرونة) 73% مقابل 27%، سجّل الشعب التونسي بشبابه المهمّش والمقموع، والمسدودة أمامه آفاق مستقبله، بسبب إهمال حقوقه في العيش الكريم، واستئثار طبقة الحكم وحواشيهم من أحزمتهم الحزبية، بتحالفاتها التي أغرقت البلاد في مستنقع سلبية الحكم، وعرقلة عجلة الإقتصاد بواسطة مصالح لوبيات لم تترك مجالا اقتصاديا إلا دخلته لتستأثر به دون أبناء الشعب.
ولم يكن همّ أدوات الحكم من احزاب بتحالفاتها، سوى مصالحهم الذاتية في ابقاء الحكم تحت أيديهم وبإِشرافهم، وتعاقبت الحكومات الفاشلة الواحدة تلو الأخرى ولم نر خلال ذلك من مجلس نواب الشعب بعد أن ترأسه رئيس حركة النهضة شيئا افاد في إخراج تونس من ازمتها الاقتصادية والصّحّية، بل لقد تعرى هذا المجلس بجلسات تهريج اعضائها، وعروضهم السيركوية المقرفة، وكشف بعض نوابه الوطنيين، أن من بين أعضاء المجلس، أسماء عديدة لمستغلي وظائفهم أو المتسترين بها، والمترشحين بالمال الفاسد فيما يشاع عنهم، ولا يجب أن أنسى ما يشاع عن أن أحد المترشحين للمجلس التأسيسي عن دائرة بنزرت، بعد أن أثّر بشكل ما على أحمد نجيب الشابي، رئيس الحزب الديمقراطي التقدمي، ليكون رئيس قائمته عن دائرة بنزرت ولم يكن يومها منتسبا للحزب، مما حدا بالمكتب الجهوي ببنزرت إلى تقديم استقالة جماعية، ثم استعان برئاسة ناد رياضيّ ليترشح من جديد في المجلس النيابي الفارط، وبعلاقاته مع رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد، تمكن من تسلم حقيبة وزارية، ما سمح له بالتحصّن بملفات ثقيلة، يشاع عنها أنها عمليات مشبوهة بمطار نقل البضائع FRET بالعاصمة، تسببت في خسائر فادحة للناقلة الوطنية TUNIS AIR، فكان ممتنعا عن القضاء طوال تلك الفترات بحصانة نيابية، كانت كافية لزحزحة مساءلته والنظر في ملفاته بعيدا، هذا النائب وغيره كثيرون، يجب أن يعاد النظر في ملفاتهم وحصحصتها بدقّة، من أجل الحق والعدل ومصلحة تونس المهدورة.
أمثلة كبار الموظفين والرأسماليين المستغلين لوظائفهم ومؤسساتهم، وفرص غنم ما تصله أيديهم من كسب مالي غير مشروع من أنشطة شركاتهم، وما خفي وراء معاملاتهم كان أعظم، أكثر من أن تصل إليه أيدي هذا الشعب المغلوب على أمره، والذي تتهاوشه ذئاب كاسرة، لا يهمّها ما ستنتهي إليه هجماتها العاقرة المتكررة عليه، وقف هؤلاء محاسبتهم، يتطلب إرادة وعزما شعبيين على استئصال داء الفساد والمفسدين من تونس، التي لم تشفى من جراحها الأولى منذ عهد الأستقلال إلى اليوم.
ولوبيات الفساد التي نطالب اليوم الرئيس الوطني الشجاع قيس سعيد بملاحقتها، ليست بمنأى عن قوى دولية خارجية، لها مصالحها في بقاء هؤلاء المنتفعين، أدوات عمالة وعرقلة لاقتصاد البلاد، من أجل أن تبقى تونس مجرّد سوق استهلاكية لتلك الدّول، أو مجرّد معبر لسلعها إلى دول الجوار وأفريقيا، فليس اقسى على الدّول الصناعية، من انفكاك الدول السائرة في طريق النمو من سلطان الحاجة إليها.
محاسبة الفاسدين واجب وطني، وليت كل ملفاتهم تكون تحت أيدي الرئيس وفي متناوله، والوضع الإستثنائي الذي أتاحه له الدستور قد استغله اليوم – بعدما استعصت عليه شخصيات وأخزاب دعاها الى حوار وطني فركبت قياداتها رؤوسها – ليقوم بتعطيل المجلس النيابي الذي هو في واقع الأمر مجلس خراب وحلبة سيرك – أغاضت بعروض تهريجها عامة الشعب- يتقاضى من أدائها نوابه رواتب تتجاوز المليون من الدنانير، فوق اعتمادات الميزانية الخاصة بالمجلس، والتي هي من عرق وكدّ الشعب التونسي الكادح، شبابه المهمّش المعطل أحقّ بها، ومن باب أولى أن تذهب هذه الأموال إليهم، عوض أن تكون أجرا لمن أثبتوا أن أغلبهم أشخاص لا همّ عامّ لهم، يأتون للتسلية وتمضية الوقت اثناء الجلسات، أو يسجلون حضورهم كل مرة، ثم يذهبون إلى قضاء شؤونهم الخاصة في أوقات العمل الذي يتقاضون من أجله أجورهم.
لقد أفلتت حركة النهضة كبرى الأحزاب التونسية من يديها، فرصة السّير بالبلاد بما يحقق آمال الشعب التونسي من ثورته، فعمدت كما جرت عادتها من قبل إلى التقوقع في خدمة شأنها الداخلي وما يمتّ إليها بولاء، وكان العمل الحزبي الذي انخرطت فيه لتدعيم شعبيتها خاطئا بانغلاقها على مكوناتها وانصارها دون مراعات بقية الشعب، وحتى انفتاحها الظاهري على أحزاب أخرى لم يكن صائبا، وكان محكوما أيضا بشبهات التعامل مع لوبيات الفساد، وتحالفات زادت من تأكيد ميلان رئيسها راشد الغنوشي إلى مد يديه إلى المفسدين، بعدما نفى نفيا قاطعا أنه لن يتعامل معهم، المهمّ بالمسبة اليه البقاء على كرسي رئاسة البرلمان، لول كلّفه ذلك أن وضع يده في يد شيطان من شياطين إنس الفساد، وبكل أسف نقول إن قرارات رئيس حركة النهضة لم تكن صائبة، وتسببت في زعزعة مكونها القيادي، وانسحاب العشرات منهم، وتراجع منسوب شعبيتها، على مدى ثلاث استحقاقات انتخابية برلمانية، وكان لا بدّ من صدمة لكي يستفيق الجميع، وها قد فعلها الرئيس قيس كما كان وعد.
أغلب الدول عبرت عن متابعة ومراقبة للأوضاع بتونس، ولم يصدر منها ما يفيد أن انقلابا قد حصل على الدستور كما ادّعت حركة النهضة، الدولة الوحيدة التي نددت بما جرى هي تركيا وأردوغان الذي سيكلفه ذلك غاليا، في علاقاته الاقتصادية التي فتحت أبوابها حركة النهضة، حيث أصبحت أغلب البضائع تأتينا من تركيا حتى (براوط المرمّة)
إننا ننظر إلى إجراءات السيد الرئيس في مكافحة الفساد، بأعين حالمة لعلها ترى هذه الأيام ما عجزت عن رؤيته أو قل قد اصابها اليأس والإحباط من امكانية تحققه، ثقتنا كبيرة في أن انجازا تاريخيا وتحوّلا سيحصل، إذا كان القرار الذي اتخذه الرئيس قيس سعيد وطني صرف، وما نريد التأكيد عليه فوق ما ننتظر نتائجه الملموسة على أرض الواقع، أن تقع مراجعة موارد صرف أموال في غير محلها في الوزارات والدوائر الحكومية كمجلس نواب الشعب، تعديل أجور هؤلاء واجب وطني وسحب الامتيازات الخاصة بهم من باب صرفها في استحقاقات صحية ولوجستية بحاجة أكيدة إلى إعطائها ما يسد احتياجاتها الفادحة، وتقليص عدد السيارات الإدارية إلى الحد الأدنى واستعادة وصولات المحروقات المهدورة، على حساب ميزانية الدولة دون وجه حق، فيكفي ما يتقاضاه المسؤولون من أجور كبيرة تكفيهم وزيادة، وبهذا يبدأ الإصلاح الحقيقي، فهل يفعلها الرئيس قيس سعيد، وتكون له سابقة لم يفعلها غيره من قبل، ويُكتَب رجل الاصلاح الأول في تونس، ذلك يحتاج إلى إرادة شعبية قوية وصلبة تدعمه، حتى لا يواجه حيتان الفساد وحده.