كتب محمد الرصافي المقداد / هكذا يجبُ أنْ تُرى إيران الإسلامية

بقلم: محمد الرصافي المقداد

لا أعتقد أن أي مسلم يمكن أن يغيب عنه استحضار الفرج، المتعلّق بظهور الدين الاسلامي الخاتم على الدين كله، في آخر الزمان وهو هذا الزمان، الذي بلغ فيه حكامه وأهله، من الظلم والعدوان وهضم الحقوق، مبلغا غير مسبوق، يحتاج الى النظر اليه من وجهة نظر شرعية، معتمدة على نصوص اعترف بصحّتها أغلب علماء المسلمين، بما اجتمع فيها من الدلالات والاشارات، مبيّنة للمؤمن وجهته الآمنة في دينه ودنياه، وهو يكافح بقلبه وعقله، أصوات شياطين الإنس، التي ارتفعت هنا وهناك، منفّرة من هذه الحقيقة الجليّة. 

بشارات قرب الفرج والظهور المبارك، وإن كانت قليلة في كتب عامة المسلمين الروائية، إلّا أنها جاءت أغلبها معبّرة حقيقة عن إيران الاسلامية، ووضعها الحالي السابق ليوم الظهور المبارك، الذي ابتدأ منذ انتصار ثورتها المباركة، التي قادها مصلح العصر الإمام الخميني رضوان الله عليه، في تغيير جذري للحياة السياسية، بهذا البلد العريق في الحضارة والدين، حوّله بفضل حكمة قيادة، وعزيمة شعب ثائر، من بلد مُهيمَنا عليه، تابع للقوى الإستكبارية المعادية للإسلام (بريطانيا أمريكا)، الى بلد ثائر على أوضاعه المتردّية التي أوصله اليها نظام عميل للغرب، قد اتخذ قراره الوطني، بقطع الأيدي الداخلية والخارجية، العابثة بمقدّراته ومستقبله.

 

الدّور الايراني الذي أشارت اليه الروايات بنحو مختصر ومقتضب، هو دور مصيري وهام جدا، وقد وصفه النبي بشيء من التعظيم، ( لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجل من فارس)(1)، فهمه من فهمه في بداية الصحوة الاسلامية، فأحسن قراءة إشاراته، انطلاقا من حسن سريرته، ونقاءها من خبث السياسة البعيدة عن الدين والإيمان، تماما كما حصل لحركة الاتجاه الإسلامي بتونس، عندما لم يتردد مؤسسها وأغلب كوادرها، من التصريح على صفحات مجلتهم (المعرفة) لصاحبها الشيخ عبد القادر سلامة، بعناوين مختلفة  منها على سبيل المثال (النبي ينتخب ايران للقيادة) جاء فيها) إن إيران اليوم بقيادة آية الله الخميني القائد العظيم والمسلم المقدام، هي المنتدبة لحمل راية الإسلام .. وأنّ الرّسول عناه في حديث ” إنّ الله يبعث لهذه الأمّة على رأس كل مائة سنة من يجدّد لها دينها “(1) وإنّه بنجاح الثّورة في إيران، يبدأ الإسلام دورة حضاريّة جديدة.  (2)

 

وقد ظهر من كتابات الشيخ راشد الغنوشي، ميلا وتعاطفا كبيرين، مع الثورة الاسلامية في ايران، وحماسا لقيادتها ودورها، فمن ذلك مثلا: إنّ ثورة إيران هي ثورة الإسلام ضدّ الاستبداد والقهر والتّبعيّة .. ولذلك فسوف تكون نموذجا، يَهتدي به كلّ الأحرار في العالمين الإسلامي والنّامي، وتصبح إيران قلعة للحرّيّة، ومركز الإشعاع الرّسالي في العالم.(3)

 

بداية لا بد من التذكير مجددا من باب – وذكّر فإنّ الذكرة تنفع المؤمنين- (4) أن ما قاله وكتبه عدد من رواد الصحوة الاسلامية في العالم الاسلامي، لم يكن منفصلا عن النصوص، الواردة بخصوص الإخبارات الغيبية، التي جاء بها القرآن، وبيّنها النبي في معرض تفسيره، فقد جاء في أسباب نزول قوله تعالى: (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم.) (5) عن ابي هريرة قال: كنا جلوسا عند النبي (ص)، فأنزلت عليه سورة الجمعة ( واخرين لما يلحقوا بهم ) قال قلت: من هم يا رسول الله؟ فلم يراجعه حتى سأل ثلاثا، وفينا سلمان الفارسي، وضع رسول الله (ص) يده على سلمان ثم قال: لو كان الايمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء. (6)

 

وفي الآية: وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم. (7) أنّه لما نزلت كان سلمان جنب رسول الله (ًص) فقالوا يا رسول الله، من هؤلاء القوم الذين إن تولينا استبدلوا بنا؟ قال: فضرب النبي (ص) على منكب سلمان فقال: مِنْ هذا وقومِه.(8)

 

ومن بين الروايات التي تضنت أكبر قدر من البيان، ما أخرجها ابن ماجة في سننه عن عبد الله قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إذا أقبلت فتية من بني هاشم، فلما رآهم النبي صلى الله عليه وآله، اغرورقت عيناه وتغير لونه، فقالوا: يا رسول الله ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه؟ فقال: إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريدا وتطريدا، حتى يأتي قوم من قبل المشرق، ومعهم رايات سود، فيسألون الحق فلا يعطونه، فيقاتلون وينصرون، فيعطون ما سألوا، فلا يقبلون حتى يدفعوه إلى رجل من أهل بيتي، فيملاها قسطا كما ملأوها جورا، فمن أدرك ذلك منكم، فليأتهم ولو حبوا على الثلج. (9)

 

أما ما جاء من طرق أئمة الهدى من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ففيه توضيح آخر يزيد من التأكيد، على الدور الهام والرئيسي، الذي سيضطلع به قوم سلمان، في هذا العصر، عن أبي الحسن الأول موسى بن جعفر عليه السلام قال: رجل من أهل قم، يدعوا الناس إلى الحق، يجتمع معه قوم كزبر الحديد، لا تزلهم الرياح العواصف، ولا يملون من الحرب، ولا يجبنون، وعلى الله الله يتوكلون، والعاقبة للمتقين. (10)

 

الى هنا ظهر لنا من خلال هذه النصوص، الدور الرّيادي لقوم سلمان الفارسي(المحمّدي) في التمهيد لعصر الظهور المبارك، وكنّا قد تابعنا أحداثه، منذ أكثر من 40 عاما يوما بيوم، وقد صدّقها من صدّق من المسلمين، الذين أخلصوا نياتهم لله فهداهم الى الحق، هذه النصوص التي أردت التذكير بها، وهي التي تعمّد من تعمّد تغييبها فيما مضى عن عامة المسلمين، فلما قامت الثورة الاسلامية في ايران، أظهرتها حماسة بعضهم، وتبنّاها تعاطفهم الكبير للإنجاز الثوري والاسلامي، دون أن يؤثر ذلك معرفتهم بالانتماء الشيعي للثورة الاسلامية الايرانية، لكن هجمة التشويه الشرسة التي تعرض لها الامام الخميني وثورته المباركة، تمكنت بمختلف الاغراءات المادية، من حجب ذلك التعاطف عن جماهير الحركات الاسلامية، ومنها حركة الاتجاه الاسلامي، بل وتحويل بعضه الى النقيض، فتكونت عداوة وتحريض، ضد كل ما يمتّ الى إيران بصلة أو سبب، متجاهلين تماما كل النصوص التي كانت بين ايديهم، وكتبوا وتكلموا بشأنها الى قواعدهم، تأكيدا على مطابقتها لواقع ايران ما بعد ثورتها الاسلامية.

 

تلك الرؤيا القاصرة لم تقم كما اسلفت الذكر عن عقيدة أو فكر، بل كانت ردّة فعل شحن انفعالها الجناح الوهابي في الحركات الاسلامية، ووضعها موضع العداء والتنفير بدلا من التأييد والمولاة، خدمة لمخططات أولياء بني سعود ووهابيتهم، لم ترعى للنصوص الواردة بشأن دور قوم سلمان الرّيادي، في اعلاء كلمة الله ونصرة دينه، ولا راعت أهداف الثورة الاسلامية التي أكّدت على محوريّة واولويّة القضية الفلسطينية، للإهتمام والحلّ من بين كل القضايا الإسلامية العالقة، ولا أخذت بعين الاعتبار، الخطوات الملموسة التي قطعتها ايران الاسلامية، من أجل تحقيق أهداف الاسلام الكبرى في القوّة والتمكّن والعزّة.

 

ايران الاسلامية اليوم قد بلغت مرحلة متقدمة من التطوّر العلمي والتقني، رغم كل أنواع العقوبات والحصار، متبوّأة  مرتبة يغبطها عليها أعداؤها، ويتمنون زوالها منها، لكن هيهات، وأبواب التقدّم وتحصيل المعارف متاحة، لمن بلغ من الارادة والعزم، مبلغا يؤهّله لتحقيق أهدافه في منافسة الدول الكبرى، وقوم سلمان المحمّدي أهل لذلك، وقد أثبتوا من خلال ثورتهم الغير مسبوقة في العالم، ارتباطهم بذلك الاخبار الغيبي، ودلالة أهدافهم المرسومة، على أنهم المعنيون بقيادة قافلة الانتصار للإسلام المحمّدي الأصيل، وتحقق الوعد الإلهي على ايديهم.

 

ومن  هذا المنبر الصادق، أتوجّه بالدعوة الى إخوتي في الاسلام العظيم، لإعادة النظر في ما أُخْفِيَ وحُجِبَ عنهم من نصوص، لعلها تعيد ضالة من أُغْوِيَ بالدّعاية الكاذبة، خصوصا، ونحن نمرّ بمرحلة حاسمة وحساسة، من تاريخ الامة الاسلامية، نحتاج فيها الى التفاف أكبر، وتضامن أقوى، صونا لقضايانا المصيرية، أسأل الله تعالى أن يهدي الأمة الى اتباع الحق، والاقلاع عن مهاجمة أهله، بباطل الاستكبار والصهيونية وعملائهم في المنطقة الإسلامية.

 

المراجع

 

1 و7 –  جامع احاديث البخاري كتاب التفسير سورة الجمعة ج6ص151ح4897/ مسلم كتاب فضائل الصحابة باب فضل فارس ج7ص191ح2546/ سنن الترمذي ابواب التفاسير عن رسول اللهج5ص337ح3310 وابواب المناقب ج6ص212ح 3933/ مسند أحمد مسند ابي هريرة ج15ص237ح9406

 

2 – سنن أبي داود كتاب الملاحم باب ما يذكر في قرن المائة ج4ص313ح4291/ المستدرك على الصحيحين الحاكم النيسابوري ج 4ص522/ تاريخ بغداد الخطيب البغدادي ج 2ص61

 

3 – مجلة المعرفة العدد الثّالث من السّنّة الخامسة 1979

 

4 – مجلة المعرفة العدد الثّامن من السّنّة الخامسة 1979  “.

 

5 – الذاريات الآية 55

 

6 – سورة الجمعة الآية3

 

8 – سورة محمد الآية 38

 

9 – لو أن الدين تعلق بالثريا لنالته رجال من أهل فارس. سنن الترمذي ابواب تفاسير القران ج5ص303ح3260/ تفسير الطبري الآية ص 510 /

 

10 – أخرجه ابن ماجة في سننه كتاب الفتن ج4ص452 ح4082 / المستدرك الحاكم ج4ص464 / المعجم الكبير الطبراني ج 10ص104 ح 10031/ الحاوي للفتاوي/ العرف الوردي في أخبار المهدي السيوطي ص57/ بحار الأنوار المجلسي ج51ص 82/83.

 

11 – بحار الأنوار المجلسي ج 57ص 216 ح37

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!