كتب محمد الرصافي المقداد: مشروع المقاومة الإسلامية لتحرير فلسطين

بقلم: محمد الرصافي المقداد

قبل انتصار الثورة الاسلامية بقيادة مجدد العصر الامام الخميني رحمه الله، لم يكن أحد من المسلمين ينتظر تغييرا حقيقيا، يواكب تطلعات الطّلائع الإسلامية، في غد مشرق قريب، يملأ فيها نور الدين الخاتم، أرجاء العالم الاسلامي حرية وانعتاقا، من نير قوى الاستكبار العالمي، لكنه وبمجيء هذه الثورة الاسلامية الملهمة بروح قادتها وفكرهم المحمّدي، أمكن لها أن تؤسس لمرحلة التمهيد الحقيقي لعودة الدين غضّا فاعلا ومؤثرا بين مجتمعاته، ويفرض منطقا جديدا قويا في أدائه، مستجيبا لمتطلبات العصر.

لا يمكن تزوير حركات المقاومة في عالمنا هذا العصر، فأهلها وأنصارها قد وثّقوا كل صغيرة كبيرة عنها، وليس بمقدور اعداء هذه الحركات – وهم بطبعهم اعداء شعوبها وان تظاهروا بعكس ذلك – تماما كما لا يمكن نفي صبغة هذه الحركات وعلاقاتها وارتباطاتها النضالية بأيّ حال، فهذا الزمن هو زمن مجال المعلومات الواسع النطاق، بإمكان الباحث عن مراده بشأن أي قضية معاصرة، أن يجد ما يبحث عنه بكل سهولة ويسر.

لقد مرّ الشعب الفلسطيني بأحلك واتعس فترات حياته، وهو يواجه بأيد شبه عزلاء، قطعان الصهيونية العالمية الغازية لأرضه، فمات منه من مات، وشرّد من شرد، وعذّب من عذّب، دون أن يجد لمظلوميته نصرة حقيقية، ووقوفا جادا وواعيا، من أشقائه في العرق والدين، فلم تسفر نجدة من استفاق منهم في 48 و67 و73، شيئا يفيده ويستنقذه من براثن عدوّ شرس، لا يعرف الرّحمة في تعامله معه.

ذلك الإخفاق الكبير، لا يمنعنا من ذكر رجال أحرار، لم يسعهم العيش وسط ذلك الإذلال، فعبّروا من خلال مقاومتهم المحدودة، عن وجود نواة المقاومة، في صلب هذا الشعب وفي أنفس أحراره، لتنبت شجرتها وتقوى بمرور الزّمن، وتؤتي ثمرة كفاحها بإذن ربها، ولم يكن ليحصل ذلك، إلا بعد أن قاد الإمام الخميني ثورة بلاده إيران ضد الشّاه، بتاريخ 11/2/1979، وهي ثورة إسلامية، بقيادتها الحكيمة، وفكرها الحيّ، ومنتسبيها الخُلّص الأوفياء.

ثورة بذلك الزّخم الجماهيري المنقطع النظير، وبتلك القوّة الفكرية الضاربة في عقول من عرفها، فقدّرها حق قدرها، قدّمت لعالمها الاسلامي ولبقية شعوب العالم، مثالا نابضا بالحياة والأمل بغد أفضل، كان لها الأثر البالغ في تأسيس حركات نضال ومقاومة بفلسطين، على ايدي أبنائها تأثّرا بالثورة الإسلامية الإيرانية، فأسّس الدكتور فتحي الشّقاقي حركة الجهاد، التي اتخذت من الاسلام منهج حياة، ومقاومة للعدو الصهيوني، بتاريخ 1/11/1981، بشعارها المعروف الذي توجته الآية: (والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا) ( سورة العنكبوت الآية 69)

وعلاقة الدكتور الشقاقي بالجمهورية الاسلامية الايرانية فكرا وقيادة ودعما، غير خافية لمن ألقى السّمع وهو شهيد، وهو صاحب كتاب: (الخميني.. الحلّ الإسلامي والبديل)، اعتقل وسجن مرارا، ثم أبعد من فلسطين إلى لبنان، إبّان الإنتفاضة سنة 1988، ونظرا لما اعتبرته أمريكا، ومن ورائها الغرب والعدو الصهيوني، في أساسه خطرا جدّيا يتهدد مشاريعهم، فقد بذلت مخابراتها قصارى جهودها، في جمع المعلومات عنه ورصده، وتقصّي حركاته وتنقلاته، وتمكن الموساد الصهيوني بتاريخ 26/10/1996 من اغتياله في مالطا، وهو عائد من ليبيا، بعد دعوة من قيادتها، وشيع في دمشق تشييعا مهيبا، ودفن في مقبرة مخيم اليرموك.

لم تتأثر علاقة الجهاد الاسلامي بفقد قائدها الأول، بل زادت نموّا وتطوّرا، برعاية من الطرفين قادة إيران الإسلامية وقادة الجهاد الإسلامي، بل إن ما تأسس بعد قيام الحركة، تأثرا بالثورة الاسلامية، قد أوجد معادلة مقاومة، وردع للعدو الصهيوني، لم يكن يتوقع قوتها وتأثيرها، في مجال الصراع الدّائر بفلسطين، وأهمّ أمثلة على ذلك، حزب الله 1985، وحركة حماس 1987، وحركة الصابرين 2014.

صفحة النضال ومقاومة العدوّ الصهيوني التي فتحتها ايران بعنوانها الاسلامي، بعد فشل صفحة النضال بعنوانه العرقي القومي الضيّق، كبرت وتعاظمت على مدى سنوات تأسيسات حركاتها، ونتائجها ملموسة، ولها أثرها البالغ في صناعة غد أفضل لفلسطين واعدا بالنصر، والقناعة التي عمّت الفلسطينيين، بأن طريق استعادة فلسطين من أيدي الصهيونية والاستكبار، لا يكون بالمفاوضات، والتنازل عن الحقوق والعمالة للأعداء، بل بالمقاومة المسلّحة، ولا شيء غيرها، وهذا الطريق هو الذي دعت اليه إيران الإسلامية، منذ انتصار ثورتها، واعتبرته خيارا وحيدا لحلّ القضية الفلسطينية.

والآن، تبيّن أن المشروع الذي ترعاه إيران طوعا منها، وشعورا بالمسؤولية الإسلامية، هو المشروع الذي أزعج أمريكا والغرب، ومن ورائهما الكيان الصهيوني، باعتبار جدّيته وخطورته التي يمثّلها، ليس على وجود كيان غرس على أرض فلسطين وحدها، ليشكّل قاعدة متقدّمة، متقلّدة مهمة بسط النفوذ الغربي الصهيوني، على كامل المنطقة الاسلامية، وليس محصورا منذ انطلاقه بحدود فلسطين فقط، وتلك رغبة منظومة الاستكبار العالمي، في السّيطرة على جميع مقدرات وموارد الأمة الاسلامية، عن طريق أبشع الكيانات العنصرية التي عرفها تاريخ البشرية.

وبينما يكافح النظام الاسلامي في إيران، من أجل استعادة حقوق الشعوب الفلسطيني – بل وتمتد جهوده الى ما وراء ذلك من الشعوب المستضعفة- ويقدّم في سبيل ذلك التضحيات الجسام، دون أن ينتظر جزاء على ذلك ولا شكورا، متكلا في أداء تلك الواجبات على الله، إمتثالا لأمر دينه في نصرة المؤمنين والمستضعفين، نرى أنظمة عربية كانت تدّعي الوقوف الى جانب الشعيب الفلسطيني، قد رفعت عن سياستها غطاء الإدّعاء الكاذب – تسارع هذه السنة الى التطبيع الكامل في علاقاتها مع الكيان الغاصب، ليس هذا فقط، بل وتدّعي أنه صاحب حق، في البقاء على الأرض التي احتلها بالقوة، وتعتبر في المقابل، أن النظام الاسلامي في ايران هو العدو، وله اطماع توسعية في المنطقة.

انفضاض الأنظمة العربية عن القضية الفلسطينية، مردّه إلى طبيعة تلك الأنظمة المتردّية، في مستنقع العمالة والتبعية للقوى الغربية، أغلبها (حُمُرٌ مستنفرة)، ولو رجعنا إلى تاريخ تأسيس تلك الدول المترّطة، لوجدنا فيها ما يُدين علاقاتها السرّية مع الكيان الغاصب، التي نشأت بعيدا عن صخب السياسة، وأضواء الإعلام، تستّرا من عار ظل مخفيا زمنا، وها هو يظهر الآن على دفعات خيانة لا حياء فيها، لا تقيم وزنا لكرامة شعب من شعوبها، التواقة الى تخليص فلسطين من عدوّ خبيث، آن له أن يرحل عنها بالقوّة فقط.

مشروع الجمهورية الاسلامية الإيرانية المقاوم لم يتغيّر، وسرابات الانظمة العربية انقشعت على حقيقة، تجرعتها شعوبها بمرارة العلقم، وعليها بعد سلسلة فضائح التطبيع أن تعي جيّدا، أن ما يحاك لإيران الاسلام، لا يقل خطر عما حيك لفلسطين، ومؤامرة وضعها موضع العدوّ، جحود بما قدّمته من تضحيات، ولا تزال على ذلك الموقف الثابت، الى تحقيق هدفها في تحرير كامل أرض فلسطين، ولو بقيت وحدها في محورها الحقّ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى