كتب محمد الرصافي المقداد / قمم شهدناها فلم تجني شعوبنا منها شيئا

بقلم: محمد الرصافي المقداد

تنعقد القمة 41  لمجلس التعاون الخليجي ب(العلا)(1) في 5جانفي/ يناير 2021 (2) وسط أجواء أقل ما يقال عنها، بنها متوترة وغير طبيعية، بين حكام دول المجلس والجمهورية الاسلامية الايرانية، وإذا استثنينا دولة الكويت وسلطة عمان، اللتين لا تزالا محافظتين على علاقاتهما الطبيعية مع ايران، فإن دولة قطر التي لحقها من هذا المجلس ما لحقها من ظلم وحصار، ومع ذلك لم تجد من أجل فكّه سوى إيران، التي فتحت أجواءها للطائرات القطرية لتحلّق منها الى سائر بلدان العالم، وقامت بكسر الحصار الاقتصادي، انقذت فيه حكومة قطر، من السقوط تحت إملاءات النظام السعودي والاماراتي، والنزول عند نزواتهما.

ما ظهر جديدا في هذه القمة، رجوع قطر الى مقعدها في المجلس، ولم يكن ذلك ليحصل لولا الجهود التي قام بها (جاريد كوشنير)، كبير مستشاري الرئيس الامريكي (ترامب)، الذي يرعى هذه القمة، التي تُعتبر عملية إعادة للوئام الى البيت الخليجي، بعدما اعتراه من وهن الخلاف، تمهيدا لمسار تطبيعي جماعي كامل مع الكيان الصهيوني، وكما كنت ذكرت انطلقت القمة برئاسة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وبحضور كبير مستشاري الرئيس الأميركي (جاريد كوشنر)، ووزير الخارجية المصري سامح شكري، حيث تم الإتفاق على بيان القمة الخليجية في العلا بالإجماع، ووقع المشاركون عليه اليوم في الجلسة الافتتاحية، كما كانت مصر من بين الدول الموقعة على البيان، مع أنه لا علاقة لها بمجلس التعاون، وهمّ النظام المصري فقط، جلب اقصى ما يمكن من الاستفادة  لبلاده، في ظل ازمة اقتصادية خانقة، ولا يهم ان كان الأمر متعلقا بالمتاجرة بدماء المصريين، أو بقيمهم ومبادئهم، والقائهم في أتون نزوات حكام أذلّاء بدت صفحة سياساتهم منذ تأسست على العمالة والتبعية.

قمّة أقل ما يقال عنها، أنها تنعقد تحت طائلتين، طائلة عمالة دّول المجلس، التي لم تعد خافية على أحد وأصبحت مفضوحة بشكل سافر، وطائلة ضغط الدّول الكبرى، المتحكمة في هذه الدول بقواعدها العسكرية، المدججة بمختلف أنواع الأسلحة المتطوّرة، حتى المحرمة دوليا، ليس من أجل حماية هذه الدول، وإنما من أجل ضمان بقاء مرور امدادات النفط الى دول الغرب صاحبة صاحبة المصلحة الأولى.

وأعتقد أن القمة الخليجية ستبحث على هامشها نقطتين أساسيتين، سواء أكانت مدرجة في جدول أعمالها، أم مخفية في جلسة سرية، تتعلق بدخول هذه الدول في تحالف أمريكي بريطاني صهيوني، يستهدف جمهورية إيران الإسلامية، ومحاولاتهم المتواصلة لإسقاط نظامها، الذي شكل عائقا جدّيا، ما فتئ يتعاظم أمام مخططات أمريكا والغرب ويعوق دون تنفيذها، أما النقطة الثانية فجمع هؤلاء الفرقاء الذين دعتهم أمريكا ( ترامب/ كوشنير)، لاستصدار مقترحات في شكل أوامر مغرية ماليا واقتصادية، موجهة الى الدول الاسلامية، التي لم تدخل بعد تحت مظلة التطبيع، بأن تبادر سريعا للانضمام الى جوقته، فيلحقها نصيب منه.

ولي العهد السعودي في كلمة افتتاحه للقمة: “أن قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ستكون قمة جامعة للكلمة، موحدة للصف، ومعززة لمسيرة الخير والازدهار، وستترجم من خلالها تطلعات خادم الحرمين الشريفين، وإخوانه قادة دول المجلس، في لم الشمل والتضامن، في مواجهة التحديات التي تشهدها منطقتنا”.(3)

كلمة ولي العهد السعودي الحالمة بغير واقعها الذي تعيش فيه، بعيدة كل البعد عما يجري اليوم في اليمن، ويشارف اليوم على سنته السادسة (26/3/2015)(4)، فأين جمع الكلمة ووحدة الصف التي نادى بها ابن سلمان؟ ألم يكن الكفّ عن عدوان بلاده على اليمن المظلوم، بما حشدته من تحالف أعرابي أولى بجمع الكلمة ووحدة الصف، من مجرّد كلمات يلقيها من على منابر مؤتمرات ليظهر بمظهر الاصلاح، وهو الحاقد القاتل بمنتهى الوحشية وما ظهر من حادثة (جمال خاشقجي) دليل على أنه فاقد لأبسط قيم الانسانية.

وتهافت ولي العهد السعودي على برنامج ايران السلمي النووي، والادعاء عليه بأنه يشكل خطرا على المنطقة(5)، يأتي في باب التحريض على إيران – وهو الحاقد جدا عليها – رغم علم هذا الاخير بأن برنامجها لا يشكل أي خطر، لكن الاعراب اذا جهلوا، وضعوا انفسهم عقبة في وجه التطور العلمي الايراني، وليت ابن سلمان ثاب إلى رشده وأقلع عن حقده، وكان عليه من باب أولى أن يقول: إن برنامج الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين، وقنابله النووية التي تفوق ال200، هي مصدر التهديد الفعلي للمنطقة والعالم، وليس برنامج إيران النووي، الذي اقتنعت به دول الغرب ووافقت عليه، ولم تخرج منه سوى أمريكا .

أنا لا ألوم جهلة القوم الذين وقعوا في مصيدة الدعاية ضد إيران، فأعلنوا معاداتها دون تثبت، لكني ألقي باللائمة على حكومات دول عربية، سقطوا من تلقاء أنفسهم، في معاداة إيران من خارج مجلس التعاون، كالنظام المصري والمغربي والأردني والسوداني، وهم يعلمون جيّدا أن إيران لا تكن لهم أيّ عداوة، وقد عبرت في كل مناسبة تتاح لها عن حسن نية تجاههم، واستعدادها للتعاون معهم.

من طبيعة هذه المؤتمرات، أن يكون البيان جاهزا، بعد إعداده من طرف وزراء خارجية الدول المشاركة فيه، فاجتماعهم شكلي أساسا، مقتصر على الإمضاء عليه فقط، في بروتوكولات شائعة، لذلك أقول: أنه لا يمكن أن ينتظر العرب والمسلمون خيرا من مؤتمرات، سخّرت جهودها في خدمة أعداء الأمة، قد برهنت في مناسبات عديدة على خيانتها لقضايانا المصيرية، وسمة هذا العصر الموبوء، تصدّر الفاسدين للمشهد السياسي والاقتصادي والاعلامي لهذا العالم، تصدّرا لم يترك لأصحاب الحق وقضاياهم مجالا للتعبير عن مظلومياتهم.

مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدّول العربية منظمتين اقليميتين، لم ينفعا العرب في الدفاع عن قضاياهم، وكانتا طوال وجودهما أكثر نفعا لأعدائهم، ويبدو أن تفكك هذه المنظمات، سيفرضه واقع التناقض الحاصل بين أهدافها، ومحصّل مردودها الهزيل.

المراجع

1 –العلا: مدينة تاريخية كنت تسمى قديما بوادي القرى وديدن، وتعود الى عصور سحيقة، تعد بآلاف السنين قبل الميلاد، تقع العلا في الجزء الشمالي الغربي من السعودية، بين المدينة المنورة وتبوك، وتبعد عن المدينة المنورة نحو 450 كيلومتراً، وهي من أكبر وأهم المناطق الحضارية القديمة، كونها تقع على الطريق الرئيسي للتجارة، لشبه الجزيرة العربية وبلاد الشام ومصر والعراق.

2 – العلا… عاصمة الآثار والحضارة عبر التاريخ في السعودية

aawsat.com/home/article/979841

3 – ولي العهد السعودي: القمة الخليجية ستترجم تطلعات قادة دول المجلس في لم الشمل ومواجهة التحديات arabic.rt.com/middle_east/1189531

4 – عملية عاصفة الحزم – ويكيبيديا 

5 – محمد بن سلمان: برنامج إيران النووي يهدد المنطقة والعالم

alarabiya.net/ar/saudi-today/2021/01/05

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى