كتب محمد الرصافي المقداد / في وطني الحزب صار هو الوطن…والبرلمان صار ملعب «مصارعة الثيران»
بقلم: محمد الرصافي المقداد
تسع سنوات ونصف مرت على الثورة التونسية الفريدة من نوعها، وتتوجت باعلان انتصارها يوم 14 جانفي 2011 ، وقدمت للعالم على اساس أنها ثورة شعبية، أجبرت الدكتاتور بن علي على الفرار، دون موجب مقنع، وهو الذي عاش أشد منها، بعشرات المرات خلال فترتي 1978 و1985 عندما كان بوزارة الداخلية، والتقديم الذي أخرج لنا فرار بن علي على ذلك النحو، مجرد أضحوكة على العقول، سوف تظهر حقيقتها على كل حال، طال الزمان أم قصر.
على اية حال، ما يهمنا اليوم ونحن على ابواب السنة العاشرة، ليس الثورة وملابساتها، فذاك مجال طوينا صفحته بقناعتنا التامة أن الذي حصل في ذلك التاريخ، كان مخططا غربيا خبيثا، هدفه استدراج الشعوب العربية، للوقوع في مصيدة الثورة والحرية والديمقراطية المصطنعة، بما جعلها تأمل الخير في واقع جديد وجدت نفسها فيه، ولم تكن تتوقعه بتلك السرعة، وذلك الزخم المحير فعلا، أملت فيه أن يحمل لها الخير والنماء، لكنه وبعد تجارب خائبة مرة، لم يجلب لها سوى الفوضى، وتوتر الاوضع الامنية والاقتصادية والسياسية، واذا بحال بلادنا يزداد سوء يوما بعد يوم، وما نخشاه بعد هذا، أن نصبح رهائن سياسات الاستقراض المتكررة، وقد بلغت بها ديوننا مستوى، لم نعد فيه قادرين على تسديد فوائضها، بل وجدولتها تباعا، بحال من الذل والانكسار.
ومع هشاشة وضعنا الاقتصادي، راينا كيف بلغت الانانية بفئاتنا العاملة، في شتى القطاعات، مبلغ استغلال تردي أوضاعنا، للمطالبة بزيادات في الاجور، وبشبابنا المعطل المطالبة بالتشغيل، بطرق عشوائية، شكلت باعتصاماتها كاعتصام الكامور بتطاوين، وغلق منافذ مرور الفسفاط بقفصة، عائقا منع شركات الأسمدة من استغلاله في صناعاتها، ومع وجود منافسين اقوياء في هذا المجال، فقدنا سوق توريد اسمدتنا الى الخارج تقريبا، وان اعددنا قائمة في هذه الاخلالات الاجتماعية ، لما انتهينا الى اكمالها، لكثرة تجاوزاتها القانونية والاخلاقية.
وما يؤسف حقا أمام هذا الوضع المتردي الخطير، ان يتاجر البعض على حساب البعض الاخر، ويتنافس السياسيون في وطني لبلوغ أهداف حزبية ضيقة، كانما السياسة عندهم عمل حزبي، والحزب هو الوطن، فتتحالف احزاب متنافرة في افكارها، مع احزاب اخرى من أجل الحكم فقط، ومحاصصة السلطة بينهم، وقد ثبت فشل تلك التحالفات، على مدى سنوات ما بعد ثورة البرويطة، واكرم بالثورات اذا كان شعارها هكذا.
اليوم نقف كتونسيين في مفترق طريقين، طريق الوطن وما يستوجبه من تضحيات من اجل تجاوز كل النقائص والاخطاء، ولا يكون ذلك الا بالعودة الى ادبيات الثورات العالمية ومبادئها العامة في الاصلاح، بما يعنيه ذلك من استكمال للمسار الثوري واستحقاقاته من اجل التغيير الحقيقي للواقع القديم الذي، واذا لم يكن لدينا ثقافة ثورية فلنتعلم من الامم التي صنعت بثوراتها مجد اوطانها، والباب مفتوح على مصراعيه لاهل الفكر والثقافة، في استخلاص الدروس والعبر منها، حتى يستقيم فهم الثورة لدينا، ولا عيب في أخذ تجارب غيرنا الناجحة، لان العيب وحده في مواسلة الاخطاء، واعتماد السياسات التي كانت سمة البلاد قبل الثورة .
لقد اثبت النظام البرلماني فشله الذريع في قيادة البلاد، فقد ظهر كملعب كوريدا (مصارعة الثيران) حيث يجيد فيه البرلماني العبث بالثور ( الشعب) حتى ينهكه، شعب انتخب ممثلين عنه، اثبتوا انهم من صنف محترفي لعب الكوريدا، سواء أكان ذلك لحساب مصالحهم الخاصة، أم لحساب أحزابهم وولاءاتها الغربية أو الخليجية التركية.
لا امريكا، ولا الاتحاد الاوروبي، ولا تركيا، ولا دول الخليج، بامكانها اليوم ان تقنعنا، بانها تريد الخير لتونس، وان ما قدمته من قروض أو هبات أو مساعدات، كان لوجه الله وحبا في تونس، فمن السذاجة الاعتقاد بذلك في عالم غربي قد توحش سياسيا، مازال يتعامل معنا بمنطق القوي وصاحب الامر والنهي في سياساتنا، ملكية لهذا المستعمر أو ذاك.
فشل النظام البرلماني يدعونا اليوم، الى ايقاف مهزلة طال امدها، وزادت وتيرة عبثها وتطيل دواليبها التي تختصر فقط لخدمة الشعب، وازاء هذالوضع السيء، نطالب بتعديل نظام الحكم في بلادنا، ليصبح رئاسيا معدلا، يمكن رئيس البلاد من صلاحيات، تمكنه من إيقاف اي تسيب او انخرام في منظومة الحكم.
ما هو مطلوب اليوم، ان يتحمل عامة الشعب مسؤولياتهم في هذا المجال، فيساندوا الرئيس قيس سعيد في برنامجه الاصلاحي، ويحسنوا اختيار نوابهم في المجالس الجهوية او في البرلمان، لقطع الطريق على الانتهازيين