كتب محمد الرصافي المقداد / في ذكرى الحرب المفروضة.. ماذا أخذ صدّام معه وماذا ترك؟

بقلم: محمد الرصافي المقداد

يصادف يوم 21 سبتمبر 1980، أربعين سنة على سنة بداية العدوان، الذي شنّه نظام البعث العراقي، على الجمهورية الاسلامية الإيرانية(1)، أربعون سنة مرّت على مأساة جديدة في عالمنا الاسلامي، ما كان لها أن تقع لولا عقلية الاستبداد والعمالة، والبعد عن الدين الحنيف، التي طغت على سمات أنظمة حاكمة في رقاب شعوبها، بعضها بعناوين ثورية بعيدة كل البعد عنها، قد فرّطت في أبسط حقوق شعوبها، ومالت كل الميل إلى رغبات ومخططات أعدائها، طمعا في وعودهم الزائفة، ودون مبرر حملهم على ذلك، سوى وعود الحماية الوهمية لأنظمتهم، البعيدة كل البعد عن الشرعية والديمقراطية.

حرب الثماني سنوات، التي يسميها الإيرانيون الحرب المفروضة، وسنوات الدفاع المقدّس، كانت قاسية عليهم من عدة جوانب، فمن حيث الاستعداد لها لم يكن ذلك ممكنا، وكانت مفاجئة لهم، حيث لم يكن أحد يتوقع أن يقدم العراق على شن هجوم كاسح، بالدبابات والطائرات على غرب حدودهم، ونظامهم الاسلامي الفتيّ، لم يبلغ من العمر سوى سنة وسبعة أشهر وعشرة أيام، لا يملك سوى جيش مفكك، في طور الغربلة والتأطير من جديد، وحرس ثوري مؤلف من شباب الثورة (5/5/1979)، حديث العهد بالحرب، ليس بحوزته سوى أسلحة فردية.

لم يخفي الإيرانيون شعاراتهم الاسلامية على العالم فظهروا بها في ايام ثورتهم وبعد انتصارها، زادها قائد الثورة ومؤسس نظامها الامام الخميني تأطيرا قرآنيا وفكرا إسلاميا، وشعار اللا شرقية واللا غربية إسلامية، وشعارات التبرّي من أعداء الله، كانت واضحة بكل عناوينها، بحيث لم يعد هناك شك في تغيير لها، بميل أو هوى قد يراود عقل قيادتها، فتتسرّب سياسة الشاه المقبور القديمة اليها، تحت أي ضغط، أو ظرف من الظروف الحاكمة في المواقف أحيانا.

وبإيعاز أمريكي صهيوني غربي، وبحشد عملائهم من دول الخليج، وباقي دول العرب، باستثناء سوريا وليبيا والجزائر، أما تونس فقد حاربت بإعلامها – إعلام العار –  في آخر الحقبة البورقيبية ( 1980/1987)، وكان لها نصيب في الافتراء على إيران، بالتدخّل في الشؤون الداخلية للبلاد، واعتماد ذلك مبررا لقطع العلاقات الدبلوماسية معها.

من تابع مجريات السنة الأولى من الثورة الإسلامية، بإمكانه أن يفهم أن طمع صدّام، في التغلب على النظام الإسلامي، واحتلال محافظة خوزستان، بدعوى أنها عربية، استغلته أمريكا في الإنتقام من إيران، بعد الاهانة التي وجّهها إليها شباب الثورة الإسلامية، باحتلال سفارتها بطهران، والتي يطلقون عليها (وكر الجاسوسية)، وبعد الفشل الذريع الذي منيت به قواتها الخاصة، في عملية مخالب النسر في صحراء طبس(24/4/1980) لاستعادة رهائنها، وكان تدخّلا إلهيا بعاصفة رملية تسببت في تحطم مروحيتي هرقل وهلاك من فيهما.

حرب عبثية كان يأمل منها أعداء الاسلام المحمدي، القضاء على نظامه الشّوروي، الذي فاجأ العالم بأسره بعد انتصار ثورته وظهوره من جديد، كنظرية حكم جديرة بالاهتمام، والمتابعة والمناصرة من بقية المسلمين، بعيدا عن انتماءاتهم المذهبية، فما يهمّ الشعوب الاسلامية بعد نموّ هذا النظام، وبلوغه مستوى مرموق من التطوّر العلمي والتقني عسكريا ومدنيا، عدم معاداته، لأن في معاداته مخالفة للإسلام أولا، واصطفاف الى جانب اعداء الاسلام، وتحقيق لرغبتهم، التي سخّروا من اجلها اعلامهم وعملاءهم في بلداننا الاسلامية.

في رسالة بتاريخ 14/8/1990، وجّهها الرئيس العراقي صدّام حسين، إلى الرئيس الإيراني الشيخ هاشمي رفسنجاني، ضمّنها اعتراف بالخطأ الفادح الذي ارتكبه، بشنّه الحرب على إيران، فاضحا التحالف الذي دفعه الى ذلك، وهو نفس التحالف الذي بدأ يتجهز لشن حرب عليه.(2) وهو اعتراف يحسب على صدّام ونظامه البعثي العفلقي، زيادة على ما أقرّته الأمم المتحدة من مسؤولية العراق في عدوانها على ايران، نعم هي شهادة أقرّها للتاريخ، فضح بها نفسه بعظمة لسانه، ولكنه كان يرمي من ورائها، الى استدرار عطف الجانب الايراني، فيما أوقع فيه نفسه، لكن مبدئية النظام الاسلامي، كانت حائلة دون الانتقام والتشفي، في وضع لا يحسد عليه صدّام، فأصدقاء الأمس ومحرّضوه وداعموه، بأكثر ما كان يحتاجه للعدوان على إيران، وعلى رأسهم أمريكا، تحوّلوا بسرعة الى أعداء، اجتمعوا على الفتك به وبنظامه، وانتهى بهم الأمر في الأخير، الى إنهاء فترة حكمه الدموية، تضرر منها الشعبان الايراني والعراقي، ولو أحصيت جرائم صدّام ونظامه، لعجزت فرق إحصاء بأكملها، على جمع ما اقترفه بحق جيرانه وأبناء شعبه.

ووقوفنا اليوم بهذه المناسبة، من أجل أن تعتبر الشعوب من تلك الفاجعة الرهيبة، التي استنزفت الشعبين، في خيرة شبابها، ومواردها وبناها التحتية ومدّخراتها، التي لولا تلك الحرب، لكانت ستذهب في اطارها الصحيح، بناء وتنمية وتقدّما، ولعلّه كما قال الامام الخميني عندما أُعْلِم ببداية العدوان الصدّامي على بلاده: (الخير فيما وقع) (3) فإن الحرب مع الحصار والحظر الذي تعرضت له بلاده، قد فتّقت عقول، وحررت سواعد أبناء النظام الاسلامي، الغيارى على دينهم، ليحققوا معجزة فريدة، ليس من السّهل على أي شعب القيام بها، فيصنعوا أسلحتهم ويطوروا قدراتهم الدفاعية في مختلف الإختصاصات العسكرية.

لقد ذهب صدّام بتبعات جرائمه، بحق الايرانيين والعراقيين على حدّ سواء، مثقلا بما جنته سياسته الخاطئة، وترك وراءه في شعبا عراقيا، لم يستوعب أغلبه الدّرس، لا تزال ظاهرة العداء لإيران بادية، في تظاهرات واعتصامات فئاته، لا نشكّ لحظة في أنها موجّهة من الخارج، بالتحريض والتمويل، والفرقاء المصنوعين من ثقافة حزب البعث الفاسد، لا يرجى منهم خير، طالما بقوا في خضيض ثقافة الكراهية والعداء للإسلام وأهله.

المراجع

1 – الحرب الدموية التي بدأت قبل 40 عاماً بين العراق وإيران

2 –  بالفيديو.. “صدام حسين” يعترف بان حرب ” العراق مع ايران” كان وراءها أمريكا وجهات تسمى عربية وهي مجرد الهاء ومؤامرة!..

3 – الموت في عشق الإمام الخميني حياة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى