كتب محمد الرصافي المقداد / ايران والصين من التعاون إلى احتمال التحالف
بقلم: محمد الرصافي المقداد
من السمات الواضحة في السياسة الخارجية الايرانية، مبدئيتها في التعامل المتكافئ مع دول العالم، الذي لا يخضع للقوى الكبرى، المستعبدة والمستغلة للدول الضعيفة، وذلك أساس سياستها التي عارضها الغرب بأحلافه فيها، وعمل جاهدا بكل قواه على إيقافها، وحرفها عن مسارها بالضغوط والعقوبات، لكن هيهات أن تتراجع ايران عن سياستها تلك لأنها مبدئية وإنسانية، عبّرت من خلالها عن مواقف اسلامية قرآنية، ماضية في مواجهة خطر القوى الإستكبارية، ونتاجها المفسد في الارض.
وإيران الاسلامية تدرك جيّدا أنها قد اختارت أعسر السبل لتشقّه بعزم، من أجل نشر العدالة والامن في منطقتها وفي العالم، غير عابئة بتهديدات أمريكا وحلفائها، طالما أنها على الحق، ومستعدة للتضحية من أجل قيمها الاسلامية، التي ترفض استعباد الشعوب واخضاعها لإرادة القوى الكبرى، وهي وإن أعطت للاتحاد الاوروبي فرصا عديدة في حسن التعامل، وتركت له بابا مفتوحا لعلاقة متكافئة افضل، باعتبار محافظتها على الاتفاق النووي المبرم معها، فان توجهها الى الصين الشعبية، لم يكن وليد ظرف العقوبات التي سلطتها أمريكا عليها، وانما كان نتيجة سياسة وتخطيط واقعيين، بدأ بمشروع إحياء طريق الحرير، الذي تعاونت فيه مع الصين، والدول التي يمرّ عليها، من تعبيد الطريق السيّار، ومد خط السكك الحديدية، لنقل البضائع، وربط شرق القارة الآسيوية بغربها، وابرام الصفقات الاقتصادية والتجارية معها، تمتينا للعلاقات بين تلك الشعوب، على قدم التكافؤ الذي يتملّص منه الغرب.
ويبدو ان الاتفاق المبرم بين ايران والصين، قد اثار جزعا أمريكيا كبيرا، وبدرجة أقل منه أوروبيا، وبلا شك، فانه أيضا أحدث حالة من الاحباط بين أنظمة خليجية، عرفت بعداء سافر للنظام الاسلامي في ايران، قد أعياها انتظار سقوطه اقتصاديا أو عسكريا، دون أن يحصل من أملهم الذي أملوه شيئا.
الصهيونية المتاصلة في السياسة الامريكية، عملت على افشال عمل الدبلوماسية الاسلامية الايرانية – النّاجحة لحدّ الآن – لكنها لم تفلح بتجاوزاتها للقانون الدولي، ومحاولة اخضاع منظماته، فوجدت صدّا ومعارضة كبيرين أفشلا مساعيها، فلم يستجب لها سوى بعض دول، رضيت بأن تكون عميلة لأمريكا، خاضعة لسياساتها المسيئة لإيران، ولا يسعني هنا الا أن أقدّر وأثمّن موقف تونس، في امتناعها عن التصويت على المشروع الأمريكي، الداعي الى تمديد حظر بيع الاسلحة الى ايران، والذي سيغيظ حتما الجانب الامريكي، الذي سيعمل على معاقبة كل من امتنع عن التصويت.
وايران الاسلامية لم تهرب من أذى قَطْرِ الغرب، لتقع تحت ميزاب الصين، كما يحاول الاعلام المعادي لها ان يصورها، كمن يقول مستسلما (مكره أخاك لا بطل)، ذلك أن سياسة ايران باقية على نهجها المستقل، غير قابلة للدخول تحت أي اتفاق – مع الصين أو غيرها – لا تكون فيه حقوقها محفوظة، وليست ايران بالدولة التي تخشى أحدا إلا الله، ومن أجل تنويع مصادرها الاقتصادية فيما تحتاجه من مستلزمات ضرورية لزيادة نموّ اقتصادها، بالشروط التي تريدها، فقد أبرمت ايران الاسلامية والصين الشعبية عقودا بقيمة 400 مليار يورو، يمتد على مدى 25 سنة، في مختلف المجالات، وهي صفقة ضخمة جدا، من شأنها أن تعيد حسابات سياسات دول استكبارية، اخطأت في تقديرها بخصوص إيران .
ويبدو أن دول الاتحاد الاوروبي قد بدأت بفكّ ارتباطها الأعمى بالسياسة الخارجية الامريكية، وهي تبذل جهدها من أجل انقاذ الاتفاق النووي بينها وبين ايران، بتنفيذ تعهداتها المالية والاقتصادية والتجارية معها، لكن ما قامت به دوله من محاولات، لا تزال غير كافية لتجاوز العوائق الأمريكية، ومع مرور الوقت واستمرار التعثر الاوروبي في تنفيذ التزاماته، تبقى ورقة الضغط عليه بيد إيران، التي لها الحق في تنفيذ مراحل الاتفاق العكسية، التي تسمح لإيران التنصل تدريجيا من الاتفاق، وقد تنتهي الى الغائه تماما وخروجها منه، في صورة عجز الاتحاد الاوروبي الوفاء بتعهداته، وها هي ايران تلمح بقرب تنفيذ المرحلة الرابعة من تقليص التزاماتها النووية.
الصين الشعبية التي عانت من الامبريالية اليابانية، نجحت في ثورتها الشيوعية التي قادها زعيمها ماو تسي تونج، واستطاعت أن تشق طريق نموّها الاقتصادي، لتصل اليوم الى مصاف الدول الكبرى، بل وتتقدم بخطى ثابتة، لتصبح القوة الاقتصادية الاولى في العالم، في ظل تداعي الاقتصاد الامريكي خلال السنوات الاخيرة، في مقابل تقدّم الاقتصاد الصيني، وبخصوص الاتفاق الكبير المبرم بين ايران والصين فقد أعلنت الصين عن استعداداها للتعامل الإيجابي مع إيران، وهو يخدم مصالح البلدين، لا مصلحة طهران فقط، ويمكن للصين أيضا أن تحصل على امتيازات جيدة في السوق الإيرانية، بقدر ما يمكن أن تقدمه للاقتصاد الإيراني(1).
سياسة الضغط التي تمارسها أمريكا على ايران الاسلامية، من أجل إخضاعها لإرادتها لم تنجح بالمرّة، وباءت جميعها بالفشل الذريع، صحيح أن ايران تضررت بسبب العقوبات الأمريكية الاحادية الجانب، لكنها صمدت وبنت قوة ردعها العسكرية، ضمانا للدفاع عن ارضها وشعبها وحقوقها، فلا تكون يوما تحت رحمة دولة صناعية كبرى وشروط بيعها أسلحتها، ولسنا بحاجة الى التذكير بمعاناة ايران في ايجاد مصدر تسليح زمن الحرب المفروضة.
التعاون الايراني الصيني، قد يصبح تحالفا في وجه التعنت الأمريكي المتزايد عليهما، ولا اعتقد أن دولا أخرى مهددة بسياسة الاستكبار الأمريكي، ستتأخر عن الالتحاق بهذا الثنائي المتمرد على أمريكا، وتبدو في الأفق مواجهة عسكرية، ستتحول الى حرب كونية ثالثة، في صورة ما اذا تمادت أمريكا في عدوانها الاقتصادي، من سيقدح الشرارة ليس بالضرورة أن يكون هو المنتصر، فصاحب الحق وحده هو الذي سينصره الله على اعدائه.
المصدر الخبري:
1 – عقود صينية إيرانية ب 400 مليار… هل تعلن طهران نهاية الإتفاق النووي؟