كتب محمد الرصافي المقداد / القضية الفلسطينية: رب ضارة نافعة

بقلم: محمد الرصافي المقداد

قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين.) (1)

مخطئ  كل من تفاجئ بإعلان دولة الامارات تطبيعا كاملا مع الكيان الصهيوني، ذلك ان ما كان خافيا لسنوات طوال، رفع عنه ستره في بدء مرحلة جديدة، من الانفتاح الكامل مع غاصبي الارض الفلسطينية، قوامها مخطط الشرق الاوسط الجديد الامريكي الصهيوني، فما تسرب من معلومات من كواليس حكومات عربية، قد كفى افادة على بعض ما جرى من اتصالات، وتعاون امني وسياسي واقتصادي مع حكومات تلك الدول، وما خفي عن شعوبنا من تفاهمات بينهم أعظم.

وما يجب علينا ان نقوله الان ازاء هذا الوضع القديم المتجدد، كلما انتقل حلفاء العدو الصهيوني من مرحلة الى اخرى، أن الحالة  الاماراتية، ناشئة من دول لا تملك قرارها بيدها، فهي عبارة عن محميات أمريكية غربية، قد ملكها وهم الخوف من ايران، قد اجاد تثبيته الامريكيون في عقول حكامها، مع انهم جميعا يدركون في قرارة انفسهم بان ايران ليست عدوا بل شقيق في الاسلام، لكنه شقيق معارض لسياساتهم الخارجية وغير راض عليها لانها مخالفة للاحكام الاسلامية، ولا تستجيب لطموحات شعوبها، في التحرر والانعتاق من التبعية والعمالة، ذنب ايران ايضا انها رفضت تماما ان يبقى الكيان الصهيوني جاثما على ارض فلسطين، فهي لم تكتفي برفض الاعتراف به فقط وانما عملت على انهاء وجوده من الاساس، منذ ان انتصرت ثورتها سنة 1979 الى أن يمحى وجوده تماما من خارطة الشرق الاوسط.

عندما تجرأ الرئيس الامريكي ووصف النظام السعودي بانه بقرة حلوب كان يعي جيدا ما يقوله فقد عبر عن علاقة استغلال وابتزاز مارستها امريكا بشيء من الحياء لكنه وفي عهد الرئيس الحالي فان ذلك الحياء قد جرده من سياسته الخارجية فلا حياء ابقاه ليلف به فلتات لسانه الاحمق، خصوصا وقد وجد في المقابل انظمة معزولة عن شعوبها منزوعة الحياء بدورها، ومستعدة لقبول اي شيء تريده امريكا، طالما انها القوة اللولى حسابيا في العالم وتهي التي بيدها حماية او زوال عملائها، بالتدخل المباشر او بواسطة عملاء اخرين في نفس تلك البلدان، وافول ان استقطاب هؤلاء العملاء يبدأ من دورات التدريب العسكرية والامنية التي تمنحها امريكا خصوصا او فرنسا وبريطانيا عموما لعناصر من القوات العسكرية والامنية من تلك الدول، وتعليقا على وصف ترامب، الذي يمكن تعميمه على بقية دول الخليج، أقول: كيف يمكن أن تملك بقرة خليجية، مسبحة بحمد أمريكا، إرادة أمام حالبها أو ذابحها الامريكي؟

ولن يتوقف مسار التطبيع، بعد ان تحركت قافلته علنا، مهما بلغ احتجاج الشعوب بشأنه، والقرار الامريكي الصادر بشأنه، ملزم للحكومات العميلة، التي لا تجرؤ على مخالفته باي حال، واللوبي الصهيوني الحاكم في امريكا، اصبح يدرك ان عليه ان يفعل اي شيء، من أجل وقف تطور ونمو محور المقاومة، حتى على سبيل التمويه السياسي والدعاية الصورية.

ولا شك في ان برامج الصهيونية الامريكية غير مقتصرة على منطقة الخليج، طالما ان باب العمالة اصبح سمة انظمة عربية، دخلت منه الى اسطبل الخنوع، والرضا بما تمليه عليهم من قرارات، ليست في مصلحة شعوبها، حتى وان تعنونت بالمساعدات الامريكية، ما يجب تذكره هنا، كلام صانع عزة ايران، مفجر ثورتها وقائد انتصارها، بشان امريكا فقد قال وكرر ذلك، تنبيها للشعب الايراني، وعبرة لشعوب العالم: (إذا مدحتنا أمريكا أو رضيت عنا فيجب علينا أن نراجع أنفسنا.) بمعنى أنه لا ثقة مطلقا بأمريكا.

وكان وصفها من قبل بالشيطان الاكبر، ليس مبالغة منه، ولكنه بالواقع القرآني الذي عرفه، من سياقه المتحدث عن شياطين الانس- وقد فاقت أمريكا بجرائمها جميع الشياطين- لم يستوعب ذلك المصطلح أغلب المسلمين في ذلك الوقت، لكنهم اليوم فهموا مقصده، بوصولهم الى الوقوف على حقيقة امريكا وسياساتها الشيطانية، فنظامها الشيطاني مستعد لأخذ العالم الى الجحيم، المهم بالنسبة اليه، تحقيق أهدافه – كما عبر عنها مصالح- في نهب ثروات الشعوب الاسلامية، الغنية بالمدّخرات النفطية والغازية وغيرها.

وقد كان الامام الخميني سباقا في استشراف غايات أمريكا وحلفها الإستكباري، وخصوصا عندما أثار حالة خطيرة، بدأت تظهر على السياسات العربية والاسلامية، في تقرّبها من الكيان الصهيوني، بمخطط بدأت تحيك خيوطه بالترغيب والترهيب، ففي خطاب له بتاريخ 31/8/1982 قال: (لقد باتت إسرائيل اليوم تتحكم في البلدان الإسلامية، ولو استمرت هذه اللامبالاة وهذه المساعدات وهذا التهرب سعياً للاعتراف رسمياً بإسرائيل، فسوف تتحكم إسرائيل في تلك البلدان كافة. وإن هذه الإهانة والإذلال الذي تعاملهم به ـ بأمر من أمريكا ـ سوف يزداد وتتسع رقعته ويتعمق في كل مكان. وإننا نؤكد مرة أخرى، أن إسرائيل لن تكتفي بما احتلته من أراضي، بل إنها تتقدم خطوة فخطوة) (2)

ووصلنا اليوم الى الوقوف على حقيقة مرّة، حذّر الامام الخميني البلدان الاسلامية وشعوبها من الوصول اليها، لكن تحذيراته المتكررة لم تعيها، سوى آذان استجابت افئدتها الى صوت الحق، فالتزمت به، والتحقت يمحوره المقاوم، لذلك أقول إنّ القضية الفلسطينية لن يتخلى عنها أهلها أبدا، مهما بلغت التحديات، ودائرة أهلها لم تعد خاصة بالشعب الفلسطيني وحده، فهي واقعا أكبر من ذلك، ولا تخصّ العرب وحدهم، فهي حقيقة أشمل منهم، القضية الفلسطينية إسلامية بمبادئها وحاضنتها الأشمل، بما يعنيه ذلك من عموم مليار ونصف مسلم، يعنيهم شأن فلسطين، تتصدرهم إيران بمحورها المقاوم، الذي أثبت جدارته بأن يكون في طليعة مواجهة تبدو قريبة، وفرحُ علوج التطبيع  في الخليج، سينتهي بهم الى مزبلة التاريخ، تلاحقهم لعنات أحرار العالم، الذين سيكتبون تاريخ فلسطين الحديث كتابة دماء أبيّة، وستكون بإذن الله حرة من براثن الصهيونية العالمية، ذلك انه في قضاء الله ان الأرض المقدسة، لا يحررها سوى المقدسون مبادئ وسيرة .

المراجع

1 – سورة المائدة الآية 51

2 – صحيفة النور ج16 ص273.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى