كتب محمد الرصافي المقداد/ الدّور التّركي والصّهيوني يتمدّد إلى أذربيجان
بقلم محمد الرّصافي المقداد
من التدخّل السّافر للنّظام التّركي في سوريا منذ انطلاق المؤامرة إلى اليوم، وتورطه في دعم وإسناد المجاميع الإرهابية بما فيها (الحزب الاسلإمي التركستاني Turkistan Islamic Party)، إلى تدخله في الِأزمة الليبية الى جانب حلفائه الإخوان، الى تدخله في النزاع على اقليم (Nagorno-Karabakhناقورنو قاراباغ) النفطي، يبدو الأمر مختلفا، ففي سوريا وقف أردوغان الى جانب ما اصطلح عليه بالمعارضة السورية، ورأس حربتهم الاخوان، فاستقبل عشرات الاف المتطوعين، المخدوع اغلبهم، لمقاتلة الجيش العربي السوري، وآوى ودرب وجهز، واسند عناصره بعد دخولهم من حدوده الى سوريا، ومنذ ان انتكست اعلام الشقاق الإرهابية، التي رفعت في مقابل جبهة العلم الوطني السوري، ومنها علم الانتداب الفرنسي، الذي كشف زيف الثورة السورية، بدأ يعدّل أوتار تدخّله، بحماية من بقي من فلول الإرهاب، الذين ضاقت بهم السّبل، فلم يبقى لهم من مكان يحتمون به غير إدلب، التي حشروا فيها حشرا.
أردوغان مازال يأمل في عمل عسكري دولي، يقوم على أساس قرار أممي أو أمريكي أو حتى اسرائيلي، فما يهم السلطان العثماني، أن يطمئن نهائيا على لواء الإسكندرون المحتلّ، وقد تكون إدلب ضمن أهدافه التوسّعية بسوريا، طالما أنّ من فيها من إرهابيين تحت رحمته، يخضعون له بالولاء والطاعة، وقد أرسل منهم المئات إلى ليبيا، لإسناد حكومة الوفاق الاخوانية، في معركتها ضد حكومة بنغازي(شرق ليبيا).
كما أرسل أعدادا أخرى من الإرهابيين الى أذربيجان، وقد أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن تركيا نقلت دفعة جديدة من المرتزقة السوريين إلى أذربيجان للقتال ضد أرمينيا في إقليم قره باغ، وقال إن عملية نقل المرتزقة، جرت عبر شركات أمنية تركية، حيث تم نقل أكثر من 530 مقاتلا، من الفصائل المسلحة الموالية لأنقرة، ليرتفع عدد المسلحين الذين أرسلتهم أنقرة إلى أذربيجان حتى اللحظة 850 مسلحا، وسط تحضيرات لنقل مزيد من الدفعات، خلال الساعات والأيام المقبلة.(1)
رصيد اردوغان من الارهابيين المتمركزين في ادلب والخاضعين له، مكّنه من استغلال عودة الصراع العسكري على اقليم (ناقورنو قاراباغ) بين ارمينيا واذربيجان، ليعلن وقوفه الى جانب النظام الأذري – خصوصا وأن تركيا هي أوّل دولة اعترفت باستقلال اذربيجان في1991- وامداده بمئات الإرهابيين السوريين وغيرهم، لإذكاء نار الحرب هناك، وموقفه هذا ليس حبا في الأصول الأذرية التركية، ولا عقيدة فيه بالانتصار للعرق التركي، وان بعدت به المسافة والزمن، فأمامنا اليوم اذريون شيعة بنظام علماني متشدد جدا، على كل نفس اسلامي في أوساط شعبه، وطبيعة ثقافة وتاريخ أردوغان، لا تستلطف العلاقة، الا من وجهة نظر مصلحية بحتة.
وتزداد المصلحة تأكيدا، عندما تلتقي مصالح أردوغان مع الكيان الصهيوني في أذربيجان، وهو الذي اعترف بها بعد تركيا بشهر، والتواجد الصهيوني هناك، من دبلوماسية، الى استخبارية، الى عسكرية، الى اقتصادية، أصبح معلوما وبالأرقام المتصاعدة، ولم تتعطل في ميدان منها، منذ أن أقاما تعاونا مكثفا سنة 1992، وقد كان (Ilham Aliyevإلهام علييف) أشاد بالدور الفعال للطائفة اليهودية، التي تعيش في اذربيجان، في تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين.(2)
ويبدو واضحا أن تواجد الكيان الصهيوني، بمخابراته العسكرية، وعناصره الأمنية المختصة، ليس من أجل جمع المعلومات الاستخبارية، عن المنظمات المتطرّفة باذربيجان – فذلك مبرر واهٍ لا يستوجب ذلك – وإنما من أجل تركيز قاعدة استخبارية متقدّمة على الحدود الشمالية للجمهورية الاسلامية الايرانية، وهي على دراية تامة بما يجري هناك، من تعاون وتنسيق بين الاجهزة الاستخبارية والعسكرية والامنية الأذرية، ونظرائهم في الكيان الصهيوني، والغطاء الذي قُدّم سياسيا وإعلاميا، بأن التعاون قائم من أجل القضاء على عناصر حزب التحرير هناك، لم يكن مقنعا بالمرّة، فما قيمة ذلك الحزب، وما خطره على الكيان الصهيوني، إنما الخطر الوحيد عليه، لم يكن خافيا منذ انتصار الثورة الاسلامية، وإعلان قائدها الامام الخميني رحمه الله، بأن اسرائيل غدّة سرطانية، يجب أن تزول من فلسطين.
لذلك فإن ايران انتهجت سياسة حذرة من الحكومة الأذرية، نظرا لعلاقاتها المتطوّرة مع أعداء النظام الاسلامي الايراني، وهذا لم يعد خافيا، فلا عقيدة التشيع لأهل بيت النبي (ص) التي تجمع الشعبين الايراني والأذري، حالت دون الانفصام بينهما، ولا نسبة 21% من الايرانيين أذريون، جعلت الطرف المقابل، يعطي ذلك اعتبارا، فيراعي الأواصر بينه وبين جارته الكبرى، ناهيك أن الأراضي الأذرية، كانت تابعة لإيران منذ قرن كامل، احتلها الرّوس منذ 1920،(3) إذًا الاختلاف بينهما فكري وعقائدي، بالالتزام من الجانب الايراني، وبالانتماء التاريخي فقط من جانب النظام الأذري، ومن الضحك على الذّقون القول بأن (حمه الهمامي) مثلا سنيّ.
ايران الاسلامية لم تخفي انزعاجها من تطور العلاقات الصهوينية الأذرية، فعبّرت عن قلقها وامتعاضها منذ ثلاث سنوات، من سلوك حكومة علييف، باستقبالها رئيس الوزراء الصهيوني ناتنياهو، وجاء ردّ الجانب الأذري مخيّبا ومستفزّا ومتطاولا على ايران، تهديد بتقسيمها الى خمس دويلات، لم يكن ليصل الى هذا السّقف، لولا التحريض الأمريكي الصهيوني.(4)
لم تعامل إيران أذربيجان بنفس أسلوب الإستفزاز، الذي بدر منها منذ ثلاث سنوات، فاتخذت منهجا وسطيا، اعتمد على الآداب الاسلامية في الدفع بالتي هي احسن، مراعاة حقوق الجيرة والأخوّة، وإن كان النظام الأذري على طرف من الانحياز للأعداء، وما راج مؤخرا من أنّ إيران قدمت مساعدات عسكرية لأرمينيا، لا يعدو كونه مجرد اشاعات مغرضة، لا أساس لها من الصحة، وتهدف الى الإضرار بالعلاقات بين ايران وأذربيجان، تصريحات جاءت في مذكّرة الرئاسة الإيرانية المنشورة على صفحتها الرسمية، نافية مزاعم الصّائدين في الماء العكر.(5)
موقف ايران واضح، من النزاع القائم بين أرمينيا وأذربيجان، ومنذ أن بدأ، وهو جلوس الطرفين الى طاولة المفاوضات وحقن الدماء، وكل من سعى الى تأجيج الحرب، سيخسر في النهاية، وخسارة الأتراك ستكون الأكبر، ليس في أذربيجان وأرمينيا وحدهما، وانما في سوريا وفي ليبيا أيضا، ومهما كان الموقف الرسمي لأذربيجان، يكتنفه عداء للنظام الاسلامي في ايران، فإنه يبقى محكوما بالأذريين أنفسهم، لأن الانظمة تذهب ويبقى للشعب كلمته .
المراجع
1 – تركيا تنقل دفعة جديدة من المرتزقة السوريين إلى أذربيجان للقتال ضد أرمينيا
2 – العلاقات الاسرائيلية الأذرية ويكيبيديا
3 – أذربيجان (إيران) ويكيبيديا
4 – الرئيس الأذربيجاني يوجه تهديا شديداً لإيران ويتوعد بتقسيمها إلى “5” دويلات
5 – الرئاسة الايرانية تنفي مساعدة أرمينيا في نزاعها مع أذربيجان