كتب محمد الرصافي المقداد/التراويح اصطلاحا وحكما بدعة …

بقلم: محمد الرصافي المقداد

ما قدرت عليه كورونا عجز عليه المنطق ومقارعة الحجة

لقد عرف الإسلام ضمن مصطلحاته الشرعية، أنّ ما لا يتفق وروح أي عمل تعبّديّ، سنّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإطلاق حكم البدعة عليه، فكل محدثة من العبادات، لم يقم بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم – وهو الذي أمره الله بأن يبلّغ آية كمال الدين وتمام النّعمة: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا”(1)- ووقعت على الوجه الذي نشأ بعده، هي محدثة في الدين، وحكمها كما ما جاء في حديثه: “إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.” (2) كائن من كان مؤسسها، وهنا يبدو الفرق بين السنّة والبدعة، وبينما هو مشروع بالنصّ عليه، وبينما هو مبتدع حسب هوى مبتدعه.

ومن واجب كل مسلم مطّلع على تفاصيل الدين الاسلامي، أن يتصدى لأي بدعة تظهر  في مجتمعه أوعلى الساحة الاسلامية، ويبيّن بطلانها بما يفيد انقطاعها عن زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وضرورة تجنّبها والتخلّي عنها، باعتبارها من المحدثات في الدين، لا يؤجر فاعلها، لفقدانها مرجعيّة الأصل في الاقتداء والتسنّن بها، من الكتاب والسنة النبوية .

 

من بين المحدثات التي سأبسطها للبحث في هذا المقال، ما تعلق بشهر رمضان الكريم، وأعمال التطوّع فيه بالنوافل، والذي طرأت عليه، بدعة صلاة التراويح جماعة، والمتمسّك بها الى حد العصبية من إدّعى، أن النبي (ص) كان قد صلاّها ليلة أو ليلتين، ثم امتنع عنها.

 

عن زيد بن ثابت، قال:” احتجر رسول الله (ص)حجيرة بخصفة أو حصير ، فخرج رسول الله (ص) يصلي فيها، فتتبع إليه رجال وجاؤوا يصلون بصلاته، قال: ثم جاؤوا ليلة فحضروا، فأبطأ رسول الله عنهم، فلم يخرج إليهم، فرفعوا أصواتهم، وحصبوا الباب، فخرج إليهم رسول الله (ص) مغضبا، فقال لهم:” ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم ، فعليكم بالصلاة في بيوتكم ، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة.”(3)

 

جاء في مضمون هذه الرواية أن النبي(ص) احتجر حجيرة: من فِعْلِ حَجَرَ وحجّر بمعنى ضيّق ومنع واحتجر الشيء لنفسه، حجره عليها دون غيره (4) وفي هذا الحصر والتضييق، إشارة منه الى تخصيص له يلغي احتمال التعميم، وخروجه للصلاة في الحجيرة ( وهي تصغير لمفردة حجرة)، كان بنيّة التنفّل تطوعا منه في شهر الصيام، ولم يصدر منه أمر بالاقتداء به فيما ظهر من الرواية، وتتبع رجال يصلون بصلاته، هو من عمل العوامّ الذين لا فقه لهم بأحكام الصلاة، وخصوصا عدم اتفاق نية النبي(ص) بأداء صلاته منفردا، ونيّة المتتبعين له والمقتدين به في صلاته بنية  المتابعة الجماعة، وهذا خطأ فقهي واضح، يدلّ على جهل مقترفه بأبسط أحكام الصلاة، (وهذا تجاوز أوّل)، وتفطّنه (ص) بعد انتهائه من صلاته، باجتماع أناس وراءه، دفعه الى الامتناع عن الخروج الى المكان الذي احتجره لنفسه، تفاديا من تكرار الخطأ الذي وقع فيه الناس، ومع ذلك عادوا في الليلة التالية كأنهم على موعد معه لم يضربه لهم،، ادّعوا عليه فيه أنه أبطأ عليهم، (وهذا تجاوز ثان أدهى وأمرّ مما سبق)، بعدما رفعوا أصواتهم أمام حجرته رغم تحذير الوحي عن القيام بذلك :” إنّ الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون” (5) – – وهذا تجاوز خطير ثالث – وأعظم من ذلك كله، إقدام من أقدم على حَصْبِ باب حجرته الشريفة بالحصباء( حجارة وادي ملساء )، في جمع منهم، لم يغيّر فيه وأحدهم، بنهي عن ذلك الفعل الشنيع، وحصب الباب جاء بصفة الجمع، فيكون اشتراكهم في المعصية جملة، من حصب ومن رأى الجرم وسكت عليه – وهذا تجاوز خطير رابع – بقي قائما حتى خروج النبي(ص)  مغضبا، لينهاهم عما فعلوه، ويبطل عقليتهم التي أسسوها على التقليد الاعمى في صلاة التطوّع جماعة، مؤكّدا أن هؤلاء المجتمعين أمام حجرته، تعوّدوا على تصرفاتهم الخاطئة بقوله: “ما زال بكم صنيعكم.” دالّ على كثرة تأذيّه منهم، وموضّحا بصفة لا غبار عليها:” فعليكم الصلاة في بيتكم فإن خير صلاة المرء في بيته الا الصلاة المكتوبة.”

 

من هنا نفهم أن صلاة التطوّع في شهر رمضان، لم يؤدّها النبي(ص) جماعة أبدا، ومن توهّم أنه صلاها جماعة، جاء من باب توهّم وقع تسريبه عمدا، مفاده ان النبي(ص)  صلى بهم بعض ليال، محاولة من مسرّبيه، اضفاء صفة سنة التطوع في شهر رمضان جماعة، واعطاء قرينة ومستمسك، يبرران بقاء هذه البدعة قائمة، مع انها لم تقع من النبي(ص)  أبدا.

 

من الذي ابتدع هذه الصلاة جماعة؟

 

بعد أن ثبت لدينا بطلان اعتبار صلاة التطوّع في ليالي شهر رمضان سنة، ننتقل الى البحث عن مختلقها برأي رآه، فقد جاء في رواية مالك: أن رسول الله (ص) كان يرغب في قيام رمضان، من غير أن يأمر بعزيمة، وكان يقول: من قام رمضان ايمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه.(6) قال ابن شهاب: فتوفي النبي(ص) والأمر على ذلك، ثم كان الأمر في خلافة أبي بكر، وصدرا من خلافة عمر على ذلك. (7) فتبيّن من خلال هذه الرواية، أن النبي(ص) مصدر التشريع عن الله سبحانه، قد مضى دون أن يأمر بعزيمة فيه (جماعة)، وقد بقي حكم القيام على ذلك النحو، فترة خلافة أبي بكر، ويسيرا من خلافة عمر (السنة 14 من الهجرة)، الى أن قام بإنفاذ رأيه فيها، وقد عدّها عدد من الحفاظ، أوّليات أو محدثات استحدثها في عهده (8)

 

وجاء في الرواية التالية، عن عبد الرحمان بن عبد القارئ، أنه خرج مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل، فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: والله إني لأظنني لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبيّ بن كعب، قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم. فقال: نعمة البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون فيها، يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله.( 9)

 

ويبدو أن عمر لم يكن مهتمّا بأن يكون مشاركا في الصلاة جماعة، ضمن المصلين الذين جمعهم على أبيّ بن كعب، بدليل أنه مرّ بالمسجد بعد أمره الذي أصدره- ليلة أخرى دون تحديد- فوجد الناس على تلك الحال من الاجتماع، مرسوم سلطويّ أنفذه لكن بأيّ مسوّغ يا ترى؟ والنبي لم يفرضه على الناس، حتى في الصلوات المفروضة، بل جعله اختيارا افضل، لمن يريد أن يستزيد من خير الصلوات المفروضة جماعة، والتي تتميز عن المفردة ب27 درجة، ويأتي اعتراف عمر أنها بدعة دليل، واضح على استحداثها منه، أما وصفها بالنعمة فمردود عليه، من قول النبي(ص): ان كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، إطلاقا شاملا لكل بدعة، مهما رآها مبتدعها حسنة أو نعمة، لأنه بكل بساطة ليس طرفا في اصدار حكم شرعي، على رأي رآه لا أصل له، والعجيب هنا أن يأتي اعتراف آخر منه، بأن الصلاة التي ينام عليها هؤلاء خير، قاصدا بالقيام آخر الليل، وهو الذي سنّهُ النبي(ص) من دون عزيمة (جماعة)، أَوَ يكون النّصح في الدين، بأن يقع حَرْفُ المسلمون عن أداء قيام شهر رمضان في وقته، وهو نفس الوقت الذي تقام فيه صلاة التهجّد، ابتداء من النصف الثاني من الليل، أوليس هذا غشّ كبير لمن اتبع هذه البدعة؟

 

وقد علّق الحافظ أحمد شهاب الدين القسطلاني على هذه الرواية، في الصفحة الرابعة من الجزء الخامس، من إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري، عند بلوغه إلى قول عمر في هذا الحديث : نعمت البدعة هذه. ما يلي: سماها بدعة، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يسنّ لهم الاجتماع لها، ولا كانت في زمن الصديق ولا أول الليل، ولا كل ليلة، ولا هذا العدد..(10).

 

من هنا أدعو بكل لطف إخوتي في الإسلام، الى اعتماد قاعدة التنفّل بالبيوت، عملا بقول النبي (ص): “انّ خير صلاة المرء في بيته الا الصلاة المكتوبة.” مذكّرا  إيّاهم أننا نصلي في المسجد نافلة الفجر، وهي من أوكد النوافل، ومع ذلك لم تقع فيها عزيمة، مع اجتماع الناس لصلاة الصبح بعدها مباشرة، فهذا دليل آخر، يثبت بطلان أداء النوافل جماعة، بأي حال من الأحوال، فمن شاء أن يكون مثله كما جاء في القرآن:” وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا.” (11)

 

إنّ هؤلاء الذين عمّروا المساجد في أوّل الليل ببدعة، قد خرّبوا بيوتهم بترك الصلاة فيها، ترتع فيها من ورائهم أنفس أهلهم، بلهوات المسلسلات التّافهة والبرامج الهابطة المخلّة بالأخلاق أحيانا كثيرة، تزيد المسلم بعدا عن دينه، فعمّروا بيوتكم أيها المسلمون، وأحسنوا أداء دينكم بما يطابق سنن النبي(ًص)، ولا تذهب بكم مذاهب البِدَعِ الأهواء بعيدا، وأخيرا أقول: من الذي اطلق على قيام شهر رمضان في غير وقته بالتراويح؟ لا يوجد نص واحد يشير الى ذلك، إن هي إلا أسماء سمّوها اختلاقا وتفننا، في ابتداع أشياء ما أنزل الله بها من سلطان، فمتى تنتهي هذه البدعة، ويستنقذ المسلمون أنفسهم منها، ليصلوا في بيوتهم ويعمروها بالقيام وسائر النوافل في الأوقات المددة لها، دون تغيير يخرجها عن صفتها وكيفيتها؟ لا أعتقد أن الأمر سهل، وقد تحوّلت هذه البدعة الى شبه حشيشة للبعض، ومورد رزق للبعض الآخر، واتباعا اعمى لآخرين برروه بعدم حفظ كتاب الله، ليزداد الغيّ تأصّلا واستمرارا.

 

———

المصادر:

(1) سورة المائدة الآية 3

 

(2) سنن أبي داود اول كتاب السنة باب في لزوم السنةج5ص12ح4607/ سنن الدارمي المقدمة باب اتباع السنة ج1ص228ح96/مسند احمد مسند الشاميين حديث العرباض ج28ص373ح17144 و17145و17146

 

(3) صحيح البخاري كتاب الادب باب ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله ج8ص28ح6113/ مسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب استحباب صلاة النافلة في بيته  وجوازها في المسجد ج2 ص188ح781/ سنن ابي داود كتاب الصلاة باب قيق ضل صلاة التطوع في البيت ج2 ص98ح1447/مسند احمد مسند الانصار حديث زيد بن ثابت ج35ص497ح21632

 

(4) لسان العرب ابن منظور مادة حجر

 

(5) سورة الحجرات الآية 4

 

(6) صحيح البخاري كتاب الايمان باب تطوع قيام شهر رمضان من الايمان ج1ص16ح37وكتاب صلاة التراويح باب فضل قام رمضان ج3ص44ح2009/مسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب الترغيب في قيام رمضان ج2ص176ح759

 

(7) الموطأ  باب قيام شهر رمضان وما فيه من الفضل ص90

 

(8) تاريخ الخلفاء السيوطي/الاستيعاب ابن عبد البر/روضة المناظر ابن شحنة/ الطبقات الكبرى ابن سعد/ ارشاد الساري القسطلاني

 

(9) الموطأ مالك بن أنس برواية محمد بن الحسن الشيباني تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف الازهري ص90و91

 

(10) ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري ج5ص4

 

(11) سورة الفرقان الآية 23

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!