كتب محمد الرصافي المقداد/ الإرباك الصهيوني
بقلم: محمد الرصافي المقداد
عندما استهدفت سوريا بمؤامرة عالمية، كآخر جبهة مواجهة مباشرة مع الكيان الصهيوني المحتل، كان في حساب أعدائها المتحالف عليها من قوى الغرب وعملائه، أن المسألة لن تستغرق وقتا طويلا، فما أنجز كطُعْمٍ بعنوان ثورات الربيع العربي، اعتبر كافيا لمخادعة الشعب السوري وجرّه الى ثورة مفتعلة، تشكلت أطوارها لدى الدّوائر الاستخبراتية الغربية، قبل أن تحال الى داخل الاراضي السورية، عناصر ومخططات واسنادا، ولم يكن في حساب هؤلاء المتآمرين أن ينقلب سحرهم عليهم، وعوض أن ينجح المخطط في الحاق سوريا بمحور الذّل العربي، في التطبيع مع الكيان الغاصب، وانهاء حالة العداء معه، وبالتالي غلق ملف الإستحقاق الفلسطيني في أرضه، والقطع النهائي مع مشروع المقاومة، الذي أسسه الامام الخميني رحمه الله بفكره الثوري، ودلالاته القوية عليه، فشل المخطط بكل تفاصيله وأفرعه، فإذا مشروع المقاومة ينمو ويتمدد ويستقوي بإرادة رجال الولاية، ويحقق التفوّق ويفرض منطقه، ليس على الساحة السورية فقط، وإنما على الساحة العراقية واليمنية، ومن قبلها الساحتين الفلسطينية واللبنانية.
فلا يغترّنّ أحد من المسلمين، بما يروّجه أعداء التحرّر والانعتاق من الاستكبار والصهيونية، بأن هناك ثورة في سوريا وقع إجهاضها، أو أن هناك تمرّدا حوثيا، تحالف عليه تشكيل من العرب والغرب، لمصلحة اليمن وأهله، أو أن العراق أصبح مملكة إيرانية بحاجة الى استعادتها، أو ان حزبا لبنانيا مقاوما قلب معادلة الصراع العربي الصهيوني الى صراع اسلامي صهيوني، ملك عمقا شعبيا وقواعد جماهيرية عريضة، في العالمين العربي والاسلامي، حتى بين المسيحيين الوطنيين اللبنانيين، وهو يرى أن شعوب البلدان المذكورة مستهدفة، في أمنها ومكتسباتها ومستقبلها، فلا يبعد من هذا كله أن يكون للكيان الصهيوني دور فاعل فيه، ولا يمكن أن يقع حدث مهمّ في تلك البلدان، دون أن تكون فيه بصمتين، واحدة غربية والثانية صهيونية، فهما عادة ما يجرّان إلى نفعهما فقط.
تعددت استهدافات الكيان الصهيوني للأراضي السورية، فلا تكاد تمرّ فترة من الزمن، دون وقوع اعتداء مخطط له، لعله في الحساب الصهيوني، محاولة منه لعرقلة قوى المقاومة، وعمله الدّؤوب في ذلك المجال، من شأنه أن يغيّر معادلة ليست في صالحه إن بقيت على حالها من النّموّ والتطوّر، وهو يدرك جيّدا، أنه لم يبق له من عقبة، تحول دونه ودون استقراره النهائي على أرض فلسطين، سوى محور المقاومة، الذي تأسس بتوجيه وفكر خميني، وقام وتطوّر برعاية الوليّ الخامنئي، ولا وسيلة له الى ذلك دون خلاصه منه.
الاعتداءات الجوية الصهيونية المتكررة بالصواريخ، سواء أكانت من الاجواء اللبنانية أو من الجولان السوري المحتل، خرقا للقانون الدولي، دالّة على انحطاط العدوّ قِيَمِيًّا، ومدى جبنه حقيقة، فهو يستغل وضع انشغال محور المقاومة، في إنهاء وجود الإرهاب التكفيري، واجتثاثه نهائيا من الأراضي السورية، ليضرب في الظهر كل مرّة، رفعا لمعنويات جيشه وقطعان مستوطنيه، التي بلغت حالة من الضعف مبلغا، لم تبلغه من قبل لثلاثة أسباب:
الأول: الصدمة الكبيرة التي لحقت بالكيان بعد هزيمتي 2000 و2006 بجنوب لبنان.
الثاني: الرّدع الذي لقيه من طرف فصائل المقاومة بقطاع غزة، بعد كل عدوان يشنّه، ولا يقدر على استكماله، بسبب ضراوة المقاومة التي تلقاها قطاعاته المعتدية.
الثالث: تنامي القوّة العسكرية الايرانية الرّافدة لقوى المقاومة، وبلوغها مرحلة الاكتفاء الذاتي من الاسلحة المتطورة، ذات الصناعة الوطنية.
لهذه الاسباب، مع تواجد الخبراء الايرانيين على الساحة السورية، لتقديم الاستشارات، والاشتراك في إعداد الخطط العسكرية، في مواجهة قوى الارهاب الوهابي التكفيري، الغازي للساحة السورية، يبدو الوضع الصهيوني المحتلّ أكثر حرجا من ذي قبل، وما أريد اجتثاثه بالمخطط الارهابي ازداد قوة وانسجاما وتلاحما، مما سيجعل بقاءه على أرض فلسطين، من باب الحلم الذي يغشى النّائم في الظهيرة.
ومثلما خسرت صفقة المتآمرين على سوريا، في حرفها عن موقعها المقاوم، بإسقاط نظامها الشرعي – حسب القانون الدّولي – الذي بقي وحيدا في مواجهة الكيان الغاصب، رافضا النزول عند رغبة أمريكا والغرب، الإرتماء في أحضان الصهيونية بالتطبيع معه، صامدا صمود الأحرار، في وجه عواصف العدوان المختلفة، وآخرها محاولة تجويع الشعب السوري، بفرض قانون (قيصر) الجائر على بلاده، لإثارته ضد دولته، وتحقيق ما أخفقت الجماعات الإرهابية في تحقيقه بقوة السلاح، سيفشل الكيان الصهيوني بكل تأكيد، في محاولاته كبح جماح نموّ محور المقاومة، في سوريا ولبنان وفلسطين، وعزيمة الشعوب إذا ما وجدت إطارها المشروع، سوف تتغلّب حتما على جميع العقبات التي تحول دونها ودون نيل حقوقها.
ما يمكن ملاحظته – ومروه مرور الكرام غير وارد هنا – هو أن الكيان الصهيوني، أوقع نفسه من حيث لا يدري في مشكلة، ليس بمقدوره حلّها في المستقبل، فهو بين أمرَين أهونُهما مرٌّ، فإما أن يواصل هجماته، على مناطق محددة من الاراضي السورية بين الفينة والاخرى، بحسب الاحداثيات التي تصله – وهنا لا بد من الالتفات الى مصدرها – ويسوّق لها اعلاميا، بأنها انجاز عسكري، في حين أن نتائجها سوف تظهر في المستقبل القريب، عكس ما يتوقعه، وإما أن ينصرف الى حلّ آخر، كشنّ هجوم واسع النطاق، يستعجل به وجوده من الأساس، وهنا يمكن القول، بأن الكيان الصهيوني دخل في حالة ارباك حقيقية، يصعب عليه الخروج منها، بعد أن استنفد كافة أوراق عربدته في المنطقة