كتب محمد الرصافي المقداد/ أقبحُ المُطبِّعِين

بقلم: محمد الرصافي المقداد

لا تنطبق صفة أحجار الشطرنج، الا على الانظمة العميلة، التي باعت وطنيّتها وقيمها وضمائرها، ومصالح بلدانها وشعوبها، الى القوى الكبرى المستعمرة والمستغلة الجشعة، التي لا يهمها من تلك البلدان والشعوب شيئا، سوى ما تغنمه من منافع ومصالح، تزيد من مدى هيمنتها عليها، ولا يعود من ذلك شيء لفائدة تلك  الدول، المستباحة المنهوبة مواردها، والمنتهكة حقوقها.

انظمة بلغت من العمالة والتّبعية مبلغا، جعلها مستعدة للتفريط في موارد واستحقاقات بلدانها، ولو أدّى ذلك لانهيار اقتصادياتها، وينتهي بها الأمر بأن تكون ضمن البلدان الاشد فقرا في العالم، دون ادنى حرج من ذلك، بعقلية المتملك الأناني، الذي لا يهمه مصير ثروة بلاده نفطية كانت أم غيرها، ويعمل على تبذيرها واضاعتها على قدر عمره، كأنما لسان حاله يقول إنها غنيمة، يجب الاستفادة منها بالحد الاقصى، ولا يهمّ بعدها ان يترك وراءه خرابا وعرا، ويبابا قفرا، وشعبا يأكل قوته من وراء البحار، فهو كمقامر سيء لعب بأموال غيره فخسرها، غير آسف على فواتها من يده الآثمة، وهو يملك فرصا اخرى في العبث بمقدّرات غيره، طالما أن الشعب المنهوب لا يزال نائما.

كلنا يعلم جيدا أن غالبية النفط في بلاد الحجاز، موجود في المنطقة الشرقية، وأن نسبة الفقر والتخلف والتهميش في تلك المنطقة عالية جدا، بل هي الأعلى في العالم تقريبا، وأن الإضطهاد المذهبي للمسلمين الشيعة، جار على قدم وساق، كأنما يحصل هناك من انتهاكات فظيعة لسكان تلك المنطقة، جائز لا يعاب عليه النظام السعودي، وأسلوب القبضة الأمنية الشديدة التي يتوخاها هناك، في قمع الاحتجاجات المطلبية بالعنف المفرط، واصدار احكام الاعدام على المعتقلين السلميين، سياسة قمع قلما انتهجها مع شعبه نظام آخر، والأهالي الشيعة الذين يطلق عليهم لقب (نخاولة)، محرومون من أبسط حقوقهم المشروعة، ومنها الاستفادة من عائدات النفط، الذي يستخرج من حقولهم الممتدة عشرات الكيلومترات، منتشرة على تلك المساحة الواسعة من منطقتهم، ومع ذلك يبقون الاكثر فقرا في جزيرة العرب المنكوبة.

وعوض أن يكون النفط مادة استراتيجية هامة، تعود على سكان البلاد المستخرج منها بالخير العميم، أصبح شبه نقمة على أهله، بتعمد النظام السعودي إسقاط سعره الى الحضيض، اصطفافا الى جانب رغبات امريكا، واستجابة لها في محاربة النظام الاسلامي الايراني، وتقليص عوائده النفطية الى الصفر، كما وعد بذلك الرئيس الامريكي ترامب، من حملته المسعورة المتواصلة على ايران، لكنه لم يفلح الى حد اليوم، في تحقيق شيء من حلمه الصهيوني، في اسقاط النظام الاسلامي، أو اخضاعه الى ارادته.

تآمر النظام السعودي تنوعت أهدافه، فإلى جانب معاداته ايران كشف عن تورطه في المؤامرة على سوريا ولبنان والعراق واليمن، تنفيذا لأوامر أمريكا والصهيونية العالمية، واستمراره على نهج تدمير تلك البلدان، سواء بالتدخل المباشر، في شكل تحالف أعرابي خبيث، أو عبر ارسال عشرات آلاف الإرهابيين الوهابية الانتحاريين، واسنادهم بالأموال والأسلحة، لتنفيذ مخطط اعدته الإدارة الأمريكية، من أجل تثبيت الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، وتوسيع نفوذه على كامل منطقة الشرق الأوسط.

مسلسل التطبيع مع الكيان الصهيوني، كان خفيّا في نشأته الأولى، ولم يكن أحد من هذه الدول، المتهافتة اليوم على التطبيع، لتجرؤ على ذلك، وجرح نكبة فلسطين لا يزال مفتوحا، نازفا بكل الالم الذي يكتنف الملهوف، وظهر اليوم بقبحه الذي لا يمكن أن تحفيه مساحيق سياسات وإعلام الغرب المضللة، واقدام كل من الامارات والبحرين على التطبيع مع الكيان الغاصب، في نظر حكام هاذين البلدين، تقربا من أمريكا والكيان التماسا لحماية حكمهما، من أي طارئ قد يحصل، خصوصا وقد انقطع حبل الوصال بينها وبين شعبيها، وحتى بقية شعوب المنطقة أصبحت لا تحترمهما، وتشمئز من ذكرهما، ولا يزال مسلسل التطبيع مستمرا، طالما أن هناك عملاء وانظمة عميلة، استغلت سذاجة شعوبها، لتبرم من ورائهم صفقات العار والمهانة، ودور السودان قادم، لكن سبقه النظام السعودي بقامة ذلّ وخزي، ولا حساب له بتأخّره الى حد يوم الاحد الماضي، سوى أن المهندس لترتيب التطبيع، يجب أن يقدّم عمّاله الى الحضيرة قبل اشرافه عليها، والحمار الذي يجرّ العربة لا ينظر اليه سابقا سيّده الذي يقوده، بقدر ما يلتفت الى ما في عربته من حمولة.

زيارة التطبيع الكامل الرّسمية التي أدّاها رئيس وزراء الكيان الصهيوني ناتنياهو الى الرّياض بدعوة من ولي العهد  السعودي محمد بن سلمان، كانت متوقعة وأوفت بما كان محسوبا من قبل في عادة العملاء، وقد شكلت صدمة قويّة، لمن كان ماسكا بخيط دخان صلاح النظام السعودي الوهابي، ولم تكن كذلك بالنسبة لذوي البصائر والافهام، فقد أدانت مختلف الفصائل الفلسطينية استقبال النظام السعوي لرئيس الوزراء الصهيوني معتبرة ذلك خيانة للقضية الفلسطينية خصوصا وللإسلام وقيمه عموما.

وفيما وصف (سامي أبو زهري) القيادي بحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، الزيارة بالخطيرة في تغريدة له على تويتر قائلا: “المعلومات حول زيارة نتنياهو للسعودية خطيرة، إن صحّت. داعيا السعودية إلى توضيح ما حدث، لما يمثّله من إهانة للأمة وإهدار للحقوق الفلسطينية – وكأني بهذا القيادي نسي المعتقلين الفلسطينيين في السجون الرهيبة للنظام السعودي، بتهم التعامل مع الفصائل الفلسطينية المصنّفة ارهابية امتثالا للتصنيف الأمريكي-

وفيما اعتبرت حركة الجهاد الاسلامي الزيارة، سقوطا سياسيا، وردّة عن الثوابت، وخيانة للقدس، ومكة والمكرمة، والمدينة المنورة، وللمسجد الاقصى أولى القبلتين، وثالث المسجدين، الذي يخطط ناتنياهو وحكومته وجيشه المجرم لهدم معالمه، قالت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إن هذه الزيارة تأتي في إطار السعي الأمريكي- الصهيوني، وحذرت من أن تكون هذه الزيارة مقدمة لعدوان واسع، يستهدف شعبنا وأمتنا ويستهدف المقدسات.

هذا العدوان الذي اشارت اليه الجبهة، يستهدف فقط إيران الاسلامية ومحورها المقاوم، وهي العقبة الوحيدة الكؤود في طريق التطبيع، والتي لم يجدوا لها حلا الى اليوم، وتزداد قوة في كل يوم يمرّ، ومساعي التطبيع الجارية هذه الايام، تخفي وراءها تحضيرا لتحالف أعرابي صهيوني أمريكي، لضرب إيران، حيث انقطعت سبل هؤلاء، عن ثنيها عن هدفها الأساس في تحرير فلسطين، وتخليص المنطقة من شر كيان عنصري خبيث، وهو ما يشكل تهديدا جديا، للمصالح الامريكية العسكرية والاقتصادية في المنطقة.

وفيما يعتقد هؤلاء، أن استبدال عداوة الشعوب للكيان الصهيوني، بعداوة إيران ممكن، بواسطة الفكر الارهابي الوهابي وأنظمة الخيانة، يبدو التغيير مستحيلا، بسبب أن موقف ايران من القضية الفلسطينية مبدئي ثابت، وعمليّ بدعم فصائل المقاومة بالأموال والسلاح والتقنيات، وهي الوحيدة منذ أن تأسس نظامها الاسلامي، عاملة في هذا المجال، دون أن تغير من سياستها، ولا من وجهتها التي املاها عليها الواجب الاسلامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى