ردّ على تهافت حزب التحرير عاش من عرف قدْرهُ

بقلم: محمد الرصافي المقداد

نشرت جريدة التحرير التابعة لحزب التحرير فرع تونس، بتاريخ الاحد 28 ربيع الاخر 1442، الموافق ل 13/12/2020 في قالب سؤال وجواب: اغتيال العالم النووي فخري زادة. بث فيه كاتبه سموم حقده على ايران، حيث لم يشذ عن هذه القاعدة الأساسية، التي صبغت تنظير منتسبيه وقادته، بصبغة عقدة التفوق والتميز الكاذبة، على بقية الإتجاهات الاسلامية، وتعاملوا بناء عليها في طروحاتهم الفكرية، على أساس أن ما لديهم، يمثل الحلّ  الأمثل والنهائي للإسلام السياسي، ونظام الحكم في الامة الاسلامية، من منظور  الخلافة، ممضون عليه، منذ سقيفتها المؤسسة لها، إلى تعدّد دولها من خلافة راشدة – حسب زعمهم – الى دول أموية وعباسية ومماليك وعثمانية، وانتهاء بسقوطها سنة 1924م، وهي تُعْتَبَرُ بالنسبة لدعوتهم السياسية في الحكم، النموذج الأمثل لقيادة الأمة الإسلامية.

وهذا إن دلّ على شيء، فإنه يدلّ على أن هذا الحزب، فقد مصداقيته في قراءة وسطية للتراث الاسلامي، جَارَى فيها التعصب الوراثي، الذي ليس بإمكان من تمسك به، أن يقدّم خيرا له وللأمة الإسلامية، ولا يكون مساره وانخراطه وأداءه، سوى مزيد من الخيبات وتفاقم المشاكل، تضاف إلى رصيد سلبي، لم يعد يحتمل زيادة في منسوبه السيء، ولو بمقدار قليل، لسبب بسيط، وهو أن وضع الأمة الحالي، كان نتاج ذلك الإعتقاد الفاسد، في تصويب قرون من الإنتهاكات والمظالم، عميت عنها أعين المتعصبين من امثال دعاة هذا الحزب. 

ما يهمّني الرّدّ عليه، ما جاء في فقرتي المقال السادسة والسابعة (1)، واختصارا للرّدّ وربحا لمساحته،

فلا أعتقد أن الكاتب مشتبه في إطلاق إيران حكومة وشعبا صفة (المنافقين) على غير الدول الخليجية، بل أراه متعمّدا ذلك، قاصدا به الإثارة والتشويه، والسياسة الخارجية الإيرانية، لم تطلق يوما على دولة ما هذه الصفة، إيمانا منها باحترام دول الجوار، والعمل على إيجاد أرضية تفاهم معها، تساعد في حل المشكلات العالقة، واستتباب الأمن في المنطقة، وهذه الصفة إذا أطلقت في إيران من أي صوت كان، فالمقصود منها منظمة خلق الإرهابية حصرا، وليس لدول عربية جارة، وكان على كاتب المقال أن يتبيّن قبل سقطته الأخلاقية. 

وكان على كاتب المقال أن يتحرّى رُشده، بانتهاج موقف وسطي، غير متمالئ مع أعداء إيران، خاصة في نقله الخبري، فهو قد نقل عن (ميدل ايست اي Middle East Eye) البريطاني، الذي نقل بدوره عن مصدر إماراتي لم يذكر اسمه، وهذا في مجال النّقل، خبر غير موثوق، ويدخل في باب الدعاية المغرضة، وبثّ الأّخبار التي عادة ما تكون كاذبة، ولا أساس لها في الواقع.

إن من يهاجمه أصحاب حزب التحرير بمكر ودهاء، هو نظام إسلامي، يخوض تجربته الإسلامية، بمحض إرادة شعبه واختياره، لم يغصبه عليها أحد، من خلال استفتاء طرحه الإمام الخميني، قائد الثورة الاسلامية على شعبه، بعد انتصار ثورته، فكانت النتيجة موافقته على اختيار الإسلام، نظام حكم ومنهج حياة، بنسبة 98.2 %، فتحقق بذلك الوعد القرآني الالهي، بقيام قوم سلمان الفارسي(2) – المحمدي كما يحب قادة إيران وعلمائها تلقبه، تطبيقا لقول النبي (ص): (سلمان منّا أهل البيت.) (3) –

وجاء في الفقرة السادسة من المقال، ان ايران تسعى الى توتير الوضع في الخليج باختلاق المبررات لذلك، وهذا محض افتراء وبهتان مُبين، لا يقوله الا متآمر ضد إيران، وحقيقة أهدافها التي عبّرت عنها منذ قيام نظامها الاسلامي، دون مواربة، بمشاريع قرآنية، تصبّ كلها في إحياء الشعائر الاسلامية، ودعوة الدول والشعوب الاسلامية اليها، وقد بقيت ملتزمة بنهجها الحكيم، المتطابق مع دعوة الله في الوحدة والتعاون، ولم يظهر منها خلاف ذلك، بأي حال من الاحوال، وإن الذي يوتّر المنطقة حقّا ويضعها على صفيح ساخن، هي الدّول الخليجية المطبّعة مع الكيان الصهيوني، التي استقدمت 3 دول غربية استعمارية، وسمحت لها بإقامة قواعد عسكرية، باختلاف اعلام بلدانها (أمريكية وبريطانية وفرنسية)، من أجل ماذا يا ترى؟ بالتأكيد فإنه ليس من أجل مصلحة أحد، ولا حتى الدول المستضيفة لتلك القواعد، وانما من أجل حماية مصالح الدول الغربية في مصادر الطاقة، واستدامة الولاء له طوعا أم كرها.

إنّه من الطبيعي أن تستهدف إيران من أعدائها الحقيقيين، فذلك متوقع ومنتظر منهم، وهو بكل الأحوال، أسلوبهم ونهجهم في محاربة الإسلام، لكن الذي لا يعتبر طبيعيا، ويُرى كحالة شاذّة عن الحقّ، أن ينتصب شخص أو حزب أو بلد ينتمي إلى الإسلام، فينخرط في سلك أعدائه في محاربة إيران دعائيا، ويكون مِعْولَ هدْم لمصداقيتها، عوض أن يكون عونا لها في مواجهة هجمات أعدائها، الذين هم أعداؤه واقعا، وبقاءه في خندقهم عاكفا على مفترياتهم، لن يعود عليه بشيء، وسيلقى جزاءه من رب هذا الاسلام العظيم عاجلا أم آجلا، فإنه يمهل ولا يهمل.

وبخصوص علاقة ايران باليمن، اعتبر صاحب المقال احتمال زيادة دعمها لليمن، (الجيش الشعبي ولجانه الثورية وأنصار الله) وليس الحوثيين، كما يزعم هو ومن معه، على اخفاء مظلومية الشعب اليمني، بحصر الصراع القائم بين قوات التحالف والحوثيين فقط، مخادعة لشعبها في اخفاء سياساتها، يبدو ان كاتب المقال لم يفهم شيئا عن تركيبة النظام الاسلامي في ايران، أو بالأحرى تجاهلها تماما، حتى يمكن له نشر دعوته الخرقاء في الخلافة، كحلّ وحيد لقيام نظام إسلامي، ومجلس الشورى الاسلامي، هو صانع سياستها الداخلية والخارجية، برعاية من مجلس صيانة الدستور، ومجلس خبراء القيادة، وولي الفقيه، أليست هذه المؤسسات نابعة من الإسلام في مبدئه العام للشورى والقيادة؟

أمّا ادّعاءه في الفقرة السابعة، بأن موقف ايران بخصوص اغتيال علمائها وقادتها، بقي سلبيا دون ردّ، وهو ما جرّأ الكيان الصهيوني على تكرار جرائمه، بل تمادى صاحب المقال في وصف ايران بدولة الذلّ، والعمالة للكافرين المستعمرين. بناء على منطق حزبه في اقصاء كل من لم يكن في صفهم، ونسبته الى الذّل والعمالة، وان كان العالم كله اليوم يعلم يقينا أن ايران تُحارَب منذ أن قام نظامها على أساس اخضاعها لأمريكا ودول الغرب المتصهينة، قد فكت رقبتها من التبعية والعمالة بثورتها المباركة، ولذلك، فمن باب اولى أن يتلفت منتسبو حزب التحرير الى مواقعهم في الذلّ والفشل والادّعاء الكاذب، فذلك يغنيهم عن اتهام ايران باطلا، بما تخلصت منه منذ انتصار ثورتها الى اليوم.

ما يمكن ملاحظته دون أدنى جهد في هذا المقال، تهافت الكاتب من أجل غاية واحدة، وهي ضرب مصداقية إيران، والتشكيك في صدق نواياها تجاه اشقائها المسلمين ومستضعفي العالم، وما يمكن استنتاجه في هذا الإطار، مسعى الكاتب المحموم، من اجل ادانة ايران بالتخاذل والتقصير، والركون الى اعدائها، واظهارها مظهر المخادع لشعبها، والساكت عن الحق..

لفت انتباهي ان صاحادب المقال تكلم بلغة المتاثر بمصاب الامة معبرا عن اسفه لما جرى، وليته كان كذلك فقد كشف عن نفسية خبيثة عندما تحدث عن العالم النووي فخري زاده ولم يلقبه بالشهيد وهو فعلا من الشهداء الابرار الذين لهم مقام رفيع عند الله فلم هذا الهضم بحق شهيد التمهيد لعصر التمكين والدولة الاسلامية العالمية.

يبدو حزب التحرير كما عهدته سابقا لا يزال مستمرا في اسلوب نقضه لافكار ومشاريع غيره كانه انجز شيئا لم يسبقه اليه احد أو خبر ما لم يخبروه، ومع ذلك فهو لم ينجح فكريا ولا تنظيميا ولا استطاع ان يقدم مشروع حكم متكامل عل  اساس علمي بعيد عن  ادعاءاته بان الحل في قيام دولة الخلافة، استنساخا لاحقاب من الظلم والانتهاكات للانسان والتعدي على معتقداته

لم يرتقي حزب التحرير من التنظير الى الفعل والتأسيس، ولم يتقدم في ذلك خطوة واحدة، وبقي على  حاله الحزبي والتنظيمي، ناقدا غيره واضعا افكاره فوق كل فكر، مشرفا بالتوهّم على الأوساط الاسلامية، كانه حائز للمعرفة والخبرة، بما يوصله المكانة التي بوأ قياداته وكوادره لها، وكان من باب الادب – إن كانوا يعرفون الآداب الاسلامية – لقيادات هذا الحزب وقواعده احترام انفسهم، والنأي بها عن موضع الشبهة في مواقفهم ضد ايران، فمن لم يحقق لنفسه ودينه شيئا، كيف يمكن ان يضعها موضع الإشراف على نقد غيره، وممارسته بحقد مبطّن، دون أدنى حرج، ثم كيف يصدّق عاقل نقدا من ناقص، وفاقد الشيء لا يعطيه؟

جمهورية ايران الاسلامية بجميع مؤسساتها الحكمية تعرف من أين؟ والى اين؟ في سعيها نحو تحقيق اهدافها، فلا يزايد عليها في هذا الإطار أحد كائنا من كان، لم تخلف يوما في وعد قطعته ولا استقالت منه، صامدة مقاومة، لم تزدها العقوبات والاعمال العدائية المسلّطة عليها طوال 41 عاما سوى اصرار على صحة خياراتها وسلامة مشاريعها الاسلامية، ولن يحرّفها عن استقامة مسارها اعوجاج المعوجّين، نصيحة أخيرة الى اعضاء هذا الحزب الفاشل، ميّزوا قبل أن ترسلوا بواق نعيقكم، واعرفوا حجمكم ومقداركم الهزيل، فلستم سوى أقزام أمام جبل شامخ كشموخ (دماوند)، وقد عاش من عرف قدره.

المصادر

1 – سؤال وجواب: اغتيال العالم النووي فخري زادة

 alraiah.net/index.php/political-analysis/item/5686

2 – صحيح البخاري كتاب التفسير باب تفسير سورة الجمعة ج6ص151ح 4897 / مسلم  كتاب فضائل الصحابة باب لفضل فارس ج7ص191ح2446

3 – المستدرك للحاكم النيسابوري ج3ص598/  الطبقات الكبرى لابن سعد ج4ص59 / دلائل النبوّة البيهقي ج3ص482

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى