دوافع الاتحاد الإفريقي لقبول إسرائيل لا تبدو قانونية
بقلم: محمد الرصافي المقداد
يبدو أن هناك دولا في أفريقية سمحت لنفسها، بأن تسند صفة مراقب لإسرائيل في مجلس الإتحاد الافريقي، بما يتيح لها العودة لأخذ مقعد رسميّ بعد أن أطردت منه سنة 2002، ولا يخفى أن علاقات هذه الدّول بهذا الكيان الغاصب لم تتوقف بالمرّة، وبقيت تتراوح بين العلاقات السّرية والعلنيّة، بحسب قوّة وضعف المعارضة الشعبية لتلك العلاقة، ولا يمكن أن يُقبل مبرّر لإقامة تلك العلاقات، حتى لو كان بتشجيع من بعض دول الخليج، كالسعودية والإمارات والبحرين، التي تقود حملة شرسة من التطبيع مع الكيان الصهيوني بمختلف الإغراءات، ووراء كل هذا الإدارة الأمريكية، التي بدأت منذ سنوات بتّهيئة مشروعها الخبيث ( الشرق الوسط الجديد)، لجرّ الدول العربية إلى تغيير سياساتها مع إسرائيل، من عداوة تقليدية، إلى صداقة تعاون استراتيجي، يتقاطع مع المشروع الذي تشتغل عليه إيران الإسلامية، في استئصال الورم الصهيوني من أرض فلسطين.
القرار الذي أُتُّخِذَ لم يقع تداوله في اجتماعات مجلس الإتحاد الإفريقي، وانفردت به دول رغبت في تمريره إرضاء لأمريكا وكيانها الغاصب، ما من شأنه أن يخلق أزمة كبيرة في صلب الإتحاد، ستكون لها تداعيات خطيرة تتهدد كيانه، إذا لم يقع التراجع عن هذا القرار، المنفرد به دون بقية الأعضاء، وهي سابقة تنبئ بخلاف حاد، قد يعصف باستقرار الإتحاد ويحرف أعضاءه عن الالتزام بمبادئه المعلنة في الحرّية، والدفاع عن حقوق الشعوب المضطهدة، وأوّلها الشعب الفلسطيني المظلوم.
النجاح المؤقت الذي حققه الكيان الصهيوني في العودة إلى الإتحاد الإفريقي بصفة مراقب، قابله رفض قاطع وتكوّن جبة معارضة هذا القرار الذي أتُّخِذ دون الأخذ بآراء دول عضوة تفاجأت به، وبادرت إلى الاعلان عن استيائها ورفضها له، فبعد جنوب أفريقيا التي رفضت في بيان لخارجيتها منح إسرائيل صفة عضو مراقب في الإتحاد، واعتبرته قرارا صادما غير عادل ولا مبرر في عام كان فيه الشعب الفلسطيني المظلوم مطارداً بالقصف المدمر واستمرار الإستيطان غير القانوني للأرض الفلسطينية ولفت البيان إلى أن الاتحاد الإفريقي “لم يأخذ موافقة الدول الأعضاء قبل هذا القرار”. وقال البيان إن الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة بحق الفلسطينيين “تتناقض مع ميثاق الاتحاد الإفريقي والأسس التي اجتمع عليها”.(1)
من جانبها اعترضت جمهورية ناميبيا على قرار الاتحاد الافريقي، وأوضحت وزارة العلاقات الدولية والتعاون، أن حكومة بلادها تشعر بقلق وخيبة أمل بالغ إزاء قبول قرار منح إسرائيل صفة عضو مراقب في الاتحاد، وأضاف البيان أن منح إسرائيل صفة عضو مراقب تزامن مع ازدياد ضغوط تل أبيب على الفلسطينيين وانتهاكها حقوق الإنسان في فلسطين، وأشار البيان إلى أن قرار منح إسرائيل صفة عضو مراقب، مخالف لأهداف ومبادئ الاتحاد الإفريقي، وأكد البيان دعم ناميبيا الثابت وتضامنها مع الفلسطينيين ضد الاحتلال الإسرائيلي.(2)
وتبدو مساعي الدبلوماسية الجزائرية لاحتواء هذا الإجراء المخالف لميثاق الاتحاد الافريقي ومبدئه في الدّفاع عن حق الشعب الفلسطيني في أرضه وإقامة دولته عليها، فقد بدأ وزير الخارجية الجزائري بجولة عمل لتشكيل جبهة إفريقية لرفض القرار، وإجبار الإتحاد على التراجع عنه، وما بُنِيَ على باطل فهو بطبعه باطل، وقد انضمّ إلى المساعي الجزائرية الى حدّ اليوم 13 دولة هي: جنوب أفريقيا، وتونس، وإريتريا، والسنغال، وتنزانيا، والنيجر، وجزر القمر، والغابون، ونيجيريا، وزمبابوي، وليبيريا، ومالي، والسيشل. وباركت هذه الدول أي خطوة تتخذها الجزائر ضد إسرائيل، وشدد وزير الخارجية الجزائري (رمضان لعمامرة)، على أنّ الدبلوماسية الجزائرية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الخطوة التي قامت بها إسرائيل والاتحاد الأفريقي دون استشارة الدول الأعضاء، وأضاف انّ قبول الاتحاد الأفريقي لإسرائيل عضوا مراقبا يهدف لضرب استقرار الجزائر التي تقف مع فلسطين والقضايا العادلة.
وكانت الجزائر قد أعلنت رسميا، أن الوزير (لعمامرة) بدأ جولات ابتداءً من الثلاثاء، لزيارة دول أفريقية تشمل: تونس، ومصر، وإثيوبيا، والسودان، بهدف محاصرة المدّ الإسرائيلي في مؤسسات الإتحاد الإفريقي، كما ورد في الخبر الرسمي.(3)
هذا وسارعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، المحافظة دوما على مبدئها في عدم الإعتراف بالكيان الصهيوني، وعملها الدؤوب لتشكيل وتقوية جبهة مقاومته عسكريا وسياسيا واقتصاديا، إلى معارضةالقرار، داعية الاتحاد الإفريقي إلى احترام مواثيقه المتبنّية للقضية الفلسطينية، ودعم شعبها في نضاله المشروع ضد الاحتلال الصهيوني، وقرارات الهيئات والمؤسسات والمنظمات الدولية الرئيسة، مثل منظمة التعاون الإسلامي، حيال معارضة أي إجراء لمنح أي عضوية أو منصب لإسرائيل، حسب وكالة فارس للأنباء(4)
تراوحت العلاقات الإفريقية الإسرائيلية، بين مد التواصل الدبلوماسي وزجره بالإنقطاع، إلى غاية مؤتمر (أوسلو) الذي سقطت فيه روقة التوت ساترة خيانة القضية عن قادة منظمة التحرير الفلسطينية، قامت بعده دول جنوب الصحراء الأفريقية بإعادة علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، ووصل عدد تلك الدّول إلى 39 دولة.(5)
إنّ ما شجّع الدول الافريقية على الاعتراف بالكيان الصهيوني وهي تعلم يقينا بتجاوزاته، هي الدّول العربية ومعهم تركيا في اعترافهم به وتعاملهم معه تطبيعا للعلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية، وكل اللوم والادانة هنا يجب ان تُوَجّه إلى من أسس أساسات الظلم، ودفع بالفلسطينيين إلى مفاوضات السلام، وإلى سلطة فلسطينية أشدّ تنكيلا بالفلسطينيين من إسرائيل نفسها، لوموا أنفسكم أيتها الأنظمة العربية، وأيتها الشعوب الراضية على هذه الخيانات المتتابعة، قبل لوم أيّ طرف آخر.
وتبدو إيران الإسلامية ثابتة في موقفها من القضية الفلسطينية، بعد تخلّي دول عربية وإسلامية عدّة عن القضية جهرة وخفية، فيما تبدو المملكة المغربية من بين الدّول المتمشّية مع قبول عضوية الكيان الصهيوني في مجلس الاتحاد الافريقي، بعدما دخلت دبلوماسية الملك المغربي في مستنقع التطبيع مع الكيان الغاصب، ومن غير المستبعد أن تكون السودان من بين الدّول الموافقة على عضوية إسرائيل، جهود جزائرية صادقة يأمَلُ لها مناصرو القضية الفلسطينية النجاح، وسط أجواء من تخاذل المواقف الرّسمي العربي، فهل ستكلل جهود الجزائر بالنجاح، فتقطع الطريق على الكيان الصهيوني، في العودة إلى مجلس الإتحاد الإفريقي كعضو مراقب فيه؟ ام أن الاتحاد الإفريقي سيشهد تصدّعا في تركيبته، سيجبر عددا من أعضائه على الخروج منه، طالما أن قراراته مناقضة لمبادئه، ومملاة من أمريكا والقوى الغربية الداعمة للكيان الصهيوني؟
المصادر
1 – جنوب أفريقيا ترفض انضمام إسرائيل كمراقب في الاتحاد الأفريقي
https://www.jawharafm.net/ar/article/106/199316
2 – ناميبيا تعترض على منح إسرائيل صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي..
3 – الجزائر تتفق مع 13 دولة على سحب عضوية مراقب من إسرائيل في الاتحاد الأفريقي
4 – إيران تعلن موقفها بشأن انضمام اسرائيل الى الاتحاد الأفريقي بصفة مراقب
https://arabic.sputniknews.com/arab_world/202107061049488177-
5 – https://www.alaraby.co.uk/opinion/
إسرائيل في أفريقيا .. من “نموذج تنموي” إلى تكريس شراكة الهيمنة