درس من السياسة الخارجية الايرانية
بقلم: محمد الرصافي المقداد
هو نظام إسلامي نشأ من رحم ثورة شعبية، ووافق الشعب الإيراني على قيامه بعد استفتاء مشهود عشنا الأيام الماضية على ذكراه ال41، ومنذ أن استلم حكم إيران، أعلن نظريته الإسلامية، وكشف عن مبادئه، وأبان أهدافه بكل وضوح، ولم يخفي عن شعبه ولا العالم شيئا، فكان ذلك إحدى الميزات الخاصة به.
أهم تلك الشعارات المبدئية، التي اعتمدها النظام الإسلامي، كمنهج لسياسته الخارجية المتوازنة والثابتة، شعار ( لا شرقية ولا غربية) (1) في عالم انتهجت غالبية دوله، إتّباع وعمالة الغرب أو الشرق، حتى حركة دول عدم الانحياز، التي أنشأت من فكرة مؤتمر (باندونغ) أندونيسيا أبريل 1955، وبجهود الرئيس اليوغسلافي جوزيف تيتو، ورئيس الهند جواهر لال نهرو، والرئيس المصري جمال عبد الناصر، ورئيس أندونيسيا سوكارنو، في قمّتها الأولى سبتمبر 1961،(1) كانت في معظمها منحازة، لأحد المعسكرين المذكورين، وخلال الفترة التي تعنونت بالحرب الباردة بينهما، لم نسمع ولم نشهد موقفا حقيقيا وصريحا، يثبت عداء حقيقيا لمنظومة الإستكبار الغربي بزعامة أمريكا، فكانت جميع مواقف المعسكر الشرقي، سجالات بينه وبين المعسكر الغربي، تراوحت بين الحرب الباردة المتراوحة بين التوترات والمقاربات، والتفاهمات المعلنة أحيانا، وغير المعلنة أحيانا أخرى، وبمعنى آخر كانت هناك مصالح حكمت تعويم سياسة المعسكرين، نحو التهدئة والتعاون في حدهما الأدنى .
وبمجيء النظام الإسلامي في إيران، وإعلان رفضه ومعاداته للمنظومتين الغربية والشرقية، باعتبارهما ظالمتين لحقوق الإنسان ماديا ومعنويا، وسالبتين لحقيقة وجوده، وتميّزت مواقفه بالصدق والثبات، فلم تتغير تحت أي ظرف، وبادلها المعسكران حينها نفس العداء إلى أن سقط الإتحاد السوفييتي، وبقي المعسكر الغربي بزعامة أمريكا، يترصّد الفرص ويصنع العراقيل تلو العراقيل، من أجل إسقاط النظام الإسلامي، لكنه في كل مرة يصاب بالفشل، للوحدة الشعب وتلاحم أطيافه، وحكمة قيادته.
لم يوجد نظام في العالم أعلن مبادئه الثورية في مكافحة الإستكبار والصهيونية، وبقي متمسّكا بها غير النظام الإسلامي الإيراني، وكانت نداءات الحجاج الإيرانيين في مكة، قبل بدء موسم الحج، في مسيرة البراءة من المشركين، التي دعا إليها الله في محكم كتابه، تعبيرا صادقا على نظرة نظامه الإسلامي لحقيقة الإستكبار العالمي، وصوتا مدويا لشعبه أمام مسامع العالم، ( الموت لأمريكا، الموت للإتحاد السوفييتي، الموت لإسرائيل)، ملخّصة لتوجّه ثوري عميق، لم يجرؤ عليه أحد من دول العالم القيام به، بفعالية وقوّة كما أظهرها الإيرانيون.
هذا التحدّي الكبير الذي أعلنه الإمام الخميني رضوان الله عليه، قائد الثورة الإسلامية، ومؤسس نظامها، في زمن كاد يغيب الإسلام بأحكامه وآدابه عن مجتمعاته، استلمه أبناؤها بكل وفاء وعزم، فرعَوْا بذرته إلى أن بسقت شجرتها، وسط شعب توّاق للحرية، ووفيّ لمبادئ دينه، متحدّيا منطق النظام العالمي الجديد، الذي تريد أمريكا لفرضه على العالم، بمختلف طرقها الخبيثة، فلم تنجح حيث تمنّت النجاح، وباءت بفشل ذريع لم تكن تتوقّعه، مع ما تمتلكه من إمكانات وتحالفات وعملاء.
لقد كان عامل الصدّ الأقوى، متمثلا في النظام الاسلامي الإيراني، وسياسته الخارجية، التي أرهقت الغرب وفي مقدّمتهم أمريكا، بحسن إدارته لملفاته الإستراتيجية المستحَقّة، وكان منطق دبلوماسيين وحججهم الغالبة دائما، وإن صُمّت لها الآذان في فترات، فقد أثبتت بعد ذلك وجاهة وقوّة وصدقا، أرغم الدّول الاستكبارية والعالم إلى الإستماع لممثلي السياسة الإسلامية والإذعان لمنطقهم.
لقد رحل ترامب وسيرحل بايدن ولن تتغير السياسة الامريكية الا عندما يجد قادتها أنفسهم في طريق مسدود لا أمل في الخروج منه بغير العودة على أعقابهم بمختلف ذرائعهم الكاذبة والجاهزة واستكبارهم علمهم أن لا يذعنوا للحق ويعترفوا بأخطائهم، وظلم الشعب الإيراني ومحاولات إسقاط نظامه بعزله إقتصاديا عن العالم، قد باءت بالفشل الذريع، ولم تحقق أمريكا ومن وقف معها في جرائمها شيئا.
بضربة نظام إسلامي محنّك اكتسب الخبرة والقوة، سقط اليوم المخطط الأمريكي بكافة عقوباته الظالمة بحق إيران، لجرّها إلى إرادته مستسلمة صاغرة، ذلك أن الإتفاق الإستراتيجي الذي توصلت إليه إيران مع الصين والممتدّ الى 25 سنة قد أنهى بقية الأمل الذي تمسك به قادة أمريكا لإجبار إيران على النزول عند رغباتهم، ملخّص ما جاء فيه من بنود: (تعاون في جميع القطاعات الاقتصادية؛ الصناعية والزراعية والسياحية والتجارية، والأمنية والعسكرية والائتمانية، كما تتضمن تبادل الخبرات في تدريب القوى العاملة، والتعاون التكنولوجي، فضلاً عن التعاون العسكري لتعزيز القدرات الاستراتيجية، والتشاور في القضايا المطروحة في المحافل الدولية) (3)
ونزل الإتفاق الذي توصلت إليه إيران مع الصين نزول الصاعقة على أمريكا وحلفاؤها، وسقط ما في ايديهم من وسيلة ضغط على إيران، ويمكن القول نتيجة لذلك أن الإتفاق النووي الذي أبرمته إيران مع الدول 5+1 سنة 2015، وخرجت منه أمريكا بعد تولّي ترامب رئاسة بلاده، أصبح قاب قوسين من الإنهيار التام، وخروج إيران منه فعليّا لا يبدو مستبعدا، في حال إصرار أمريكا على عدم رفع العقوبات عنها كاملة وفي وقت واحد، حيث لم يعد لها خيار الشرط، بعد إعلانها عن عزمها الرجوع إليه، وهذا نصر إيراني جديد، على الدول العربية والإسلامية التعلّم منه، لاكتساب العزة والكرامة، وليس عيبا أن تتعلم دولنا من الدبلوماسية الإسلامية الإيرانية، وتستخلص الدّرس من نجاحاتها المتعددة، بل إن العيب في البقاء على سياسة التبعية والذلّ، وهي ليست قدرنا حتى نبقى في مستنقعها.
المراجع
1 – لا شرقية لا غربية جمهورية إسلامية
https://arabic.khamenei.ir/news/1806
2 – حركة عدم الانحياز https://ar.wikipedia.org/wiki
3 – اتفاق ل25 عاماً.. الشراكة بين الصين وإيران تبدأ بوثيقة استراتيجية
https://www.almayadeen.net/news/politics/1467205