دردشة يكتبها الأستاذ الطاهر بوسمة / انا لله وانا اليه راجعون

كتب :  الأستاذ الطاهر بوسمة

في غفلة منا وفِي مساء يوم 17جويلية 2020 توفي الرئيس حسن الممي بعد عشرة ايام من وفاة جليسنا وحبيبنا الاستاذ سمير العنابي عليهما رحمة الله.

فالقاضي حسن الممي لمن لا يعرفه كان رئيسا لديوان المرحوم المنجى سليم وزير العدل الاسبق في ستينات القرن الماضي، وشيخا لمدينة تونس بعدها لسنين، كما تولى ادارة الملكية العقارية قبل ان يعود لجذوره في القضاء ليترأس المحكمة العقارية لسنين ويعمل على تطويرها ويدفعها دفعا مفيدا استفادت منه العقود المجمدة منذ سنين،

لقد ختم عمله كموظف في القضاء رئيسا لدى محكمة التعقيب لسنين والى بلوغه لسن الإحالة على شرف المهنة كما يقولون، ولكنه لم ينقطع عن العطاء بعدها وتراس جمعية القانون العقاري مع مجموعة من المختصين.

لم يكن قاض عاديا بل كان مشرَّعا وشارحا للقانون وذلك بتأليفه لكتاب في الجنسية التونسية استعان به القضاة والمحاميين.

اما أحسن ما تركه من تآليف فذلك هو كتاب اهل الذمة في الاسلام الذي باتت ومرجعا معتمدا للعرافين.

ذلك هو الرئيس حسن الممي في ايجاز شديد والذي فاجأني نبأ وفاته وكنت كغيري من الغافلين.

كنا جماعة اخترنا بعضنا للجلوس كل يوم أحد صباحا بدون كلفة أو تكاليف، وكان هو محور ذلك المجلس الذي أعاقنا عليه الحجر الصحي هذه الايام وتمنينا العودة اليه، ولكن الموت سبقنا واختطف منا قبله الاستاذ سمير العنابي منذ أكثر من اسبوع وثنى  بالمتحدث عنه ذلك الرئيس الذي أخصه الان بالحديث.

لقد تعودنا على تلك الجلسة الصباحية التي كان هو محورها لسنين، وكلما غاب عنها أحد منا كان عنه من أول السائلين ليطمئن عن السبب الذي حال دون حضوره لذلك اليوم.

جاءني نعيه مؤخرا ليلة البارحة فطير عني النوم، لأني فقدت اخا كريما لم يتخلف يوما الا وسال عني بسبب او بدونه منذ عشرات السنين.

إنها مشيئة الله التي ليس لاحد منا الحق في الاعتراض عليها لأنها طريق الجميع، ولكن الواجب يملي عليَّ التذكير بما عرفته عنه من مناقب، والدعوة له بالرحمة والغفران من رب كريم.

لم يكن فراقه على اسرته بالشيء اليسير، وارجوا من الله ان يرزقهم الصبر والسلوان فيه، ويجعل من ابنائه وبناته واحفاده خير خلف لأحسن سلف لتستفيد منهم تونس مثلما استفادت من خدماته التي أعجز عن تعدادها في هذا اليوم العصيب.

لكنني رأيت أن أذكر باخر عمل كبير قام به تطوعا، وهو تفضله بإهداء مكتبته النفيسة لدار الكتب الوطنية وبما اشتملت عليه من مخطوطات ومن كتب نادرة كان جمعها في عدة سنين.

وكل ذلك كان لرغبة صادقة منه لتبقي وقفا صدقة جارية ليستفيد منها القراء من اساتذة وطلبة علم وباحثين.

كان في نظري رحمة الله عليه، في حياته مكتبة متنقلة واخذ من كل شيء بطرف مفيد، ويطيب اليه الجلوس، اذ كان مجاملا لطيفا وله اخلاق الكبار الذين قلوا في هذه السنين.

لذا اجدد الترحم عليه وأعزي فيه أسرته وعائلته الصغيرة وكل اصدقائه ومن كانت له به صلة في العمل او فرصة اللقاء به، راجيا من الله ان يتقبله بعفوه وغفرانه ويسكنه اعلى العليين وانا لله وانا اليه راجعون.

تونس في 18 جويلية 2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى