دردشة يكتبها الأستاذ الطاهر بوسمة / «الرئيس الجديد سيدوخ» المنظومة القديمة وسيخرج علينا بطرق عمل جديدة
بمرور آجال الطعون بات الاستاذ قيس سعيد رئيسا للجمهورية التونسية وبات عليه الدخول في منظومة حكم لم تفصل على مقاسه، وكان عليه إن أراد العافية القبول بها كما هي والتعامل مع هؤلاء الذين ورثوها منذ عهود حكم ملكية وجمهورية تشبه في الشكل ما تسير عليه الأنظمة الديمقراطية وما هي بديموقراطية. بدون شك فان الرئيس الجديد سيجد نفسه مقيدًا بعادات ومراسم غريبة عليه، ولكنه وجوبا سيتعود عليها تدريجيا ويساير المتعهدين بأوقاته كلها بما فيها الخاصة جدًا.
لكن ذلك لن يفيد بانه سيبقى أسيرا كما يريدون، ورأينا البعض بدأ حتى من قبل أن يؤدي اليمين الدستورية يلومه على عدم المبادرة بكشف برنامجه السياسي والاقتصادي ونظرته للعالم، وكيف يفكر في القضايا الداخلية والخارجية، وكثيرا ما انتصبت موائد حوار تلفزية تحاول أن تملي عليه ما تشتهي وتريد وكأنها باتت عليه وصية بحجة ان المشاهد يريد. لقد تجاهلوا شعار حملته الانتخابية التي أثثها هو، بان الشعب يريد، وأنه ملتزم بما تعهد به دائما في حديثه، حتى في المناظرة التلفازية التي أتصور انها فرضت عليه لأنه ما كان له ان بتناظر مع من لا علاقة له بالدولة أصلا وكان يعيش دائما خارج القانون ويفعل ما يريد بتواطؤ سافر مع منظومات الحكم السابق وكلنا يعرف ذلك بالتفصيل.
أتصور بان طينة ذلك الرئيس الجديد الذي لا يشبه لمن سبقوه من الرؤساء، “سيدوخ” المنظومة القديمة، وسيخرج علينا بطرق عمل جديدة واستثنائية لم نتعود عليها، لأنه لو لم يفعل ذلك فسيفشل من المائة يوم الأولى المتفق عليها للحكم عليه. ولكن الصعوبات ستبدأ تلاحقه ابتداء من تشكيل مكتب مجلس نواب الشعب ورئيسه بالخصوص الذي سيعتمد عليه لتمرير القوانين التي ستعمل الحكومة في خبزها اليومي.
ذلك المجلس المشكل من فسيفساء متنافرة يراد منه التعجيل بإتمام المؤسسات الدستورية التي أهملها سابقه، الذي لم يكن في عجلة من أمره ورمى بها للمجلس الجديد الذي لم يكن بأفضل منه في تركيبته المتنافرة جدا. أما الصعوبة الثانية فهي في تشكيل الحكومة التي بدأت المشاورات بخصوصها ورأينا الشروط التعجيزية التي يمليها “العازب على الهجالة ” كما يقول المثل الشعبي. في هذه الأجواء سيجد الرئيس الجديد نفسه في وضع لا يحسد عليه، خاصة إذا بقي ملتزما باحترام الدستور والتعامل مع المتناقضات التي تتعارض مع ما يريده الشعب الذي جاء به رئيسا. فهل سيقبل بكل ذلك وينعم بالراحة والرفاهية بقصر قرطاج مثل سابقيه من الرؤساء الشرعيين المنقلبين والموقتين وبالوكالة.
أتصور انه سوف لن يقبل بذلك وسوف لن يتقيد بالكساء الذي لن يتسع لمد ساقه الأخرى وسوف يمزقه ليقدر على الاستجابة لما تعهد به لناخبيه الذين بايعوه وراهنوا عليه بتلقائية. وأنا لا اريد في هذه الدردشة القصيرة ان أسبق الأحداث، ولكنني أتصور بعض المبادرات التي سيفاجئنا بها جميعا وستحصل في نطاق الدستور والشرعية والمشروعية.
ولكنه بالنظر إلى البيعة التلقائية ونسبة المصوتين له في الدورة الأخيرة واعتمادًا على تخصصه في القانون الدستوري، فانه سيجد الآليات المناسبة كي يخرج من ذلك الرداء الذي لم يعد يتسع لمشكلات تونس التي سيأخذها غارقة في ديون صناديقها الاجتماعية ومؤسساتها الوطنية، إنها مهددة في استقلال قرارها السياسي بسبب العجز والتقصير وتواطؤ الحاكمين.
أكتب ذلك ليعلم المترددون الذين لم يستوعبوا الدرس بأن الوضع تغير كثيرا، ولم يعد الشعب يصبر على المنبرين من الداخل ومن البلدان الشريكة التي تتعامل مع تونس بالطرق القديمة، لأنها لم تعد تقبل بالشروط المفروضة التي تؤدي للتبعية، ولأنها باتت محكومة بطريقة جديدة. تونس في 17 أكتوبر 2019