دردشة يكتبها الأستاذ الطاهر بوسمة / إذا تعاطى الحاكم التجارة، فسد الحكم وفسدت التجارة
ذلك الذي قرره ابن خلدون في مقدمته المشهورة ونحن على ذلك نقيس ونعمل في الصناعة والفلاحة والتجارة والخدمات الأخرى ايضا.
قدرت انه من واجبي وحقي التنويه بما بدأ به وزير أملاك الدولة الاستاذ غازي الشواشي الذي فهم مأساة املاك الدولة التي باتت تدار كجمعية أوقاف مهملة. وخاصة منها ما في الفلاحية والزراعية والتي بقيت تتأرجح بين الاهمال والضياع أو بالاستغلال المباشر أو بالوكالة، ولكنها في كل الاحوال لم تكن تؤدي دورها الطبيعي.
تذكرت ذلك منذ أزيد من نصف قرن لما كنت معتمدا بولاية صفاقس مكلفا بالقضايا ذات الطابع الاقتصادي وكان الوالي وقتها متغيبا عن تونس لمًا تعهدنا بتنفيذ مرسوم تأميم الاراضي الزراعية الصادر يوم 12ماي 1964
وجدت نفسي وقتها أقوم بنيابة الوالي وبالأشراف على تسلم تلك الاراضي التي تعهدت بها مصالح وزارة الفلاحة.
وأتذكر أنني كنت أيامها تحت ضغط قناصل دول معنية، فرنسا وايطاليا والمملكة المتحدة في حق المالطيين الحاملين للجنسية الإنجليزية.
كانوا يدخلون عليَّ مجتمعين بمقر الولاية بصفتي ممثلا للدولة بالجهة، بعدما استجيب لطلب اللقاء بهم في موعد اعينه لهم في الحين.
كانوا ايامها يأتون لاحتجاج رسميا، وكم كنت وقتها صابرا عليهم، لأنه في الحقيقة. حدثت تجاوزات، قام بها البعض من اعضاء اللجنة المكلفة بالمهمة، ومنها مصادرتهم غلطا لسيارات خاصة وبنادق صيد ثمينة، وبعض الاثاث الشخصي، وكنت اعمل على تعديل ما يستوجب التعديل.
كانت المساحات المعنية بالتأميم مهمة جدا ومن أحسن الأراضي المغروسة بشجر الزيتون. وقد عادت للدولة بموجب ذلك القانون الذي فاجأنا جميعا، واجتهدنا بعدها بوسائلنا المتواضعة للمحافظة عليها.
وتدور الايام وتكثر الضغوط على الحكومة من بعض الوجهاء وممن كان لهم في المقاومة نصيب. وبات البعض منهم يحلم بالحلول محل ذلك المعمر. ولكنه لم تكن لهم الكفاءة ولا الخبرة ولا المال.
وهكذا جاءت الفكرة للمسؤولين في الدولة بإحداث وحدات انتاج تعاضدية هروبا من هؤلاء المستكرشين. وحاولنا وقتها تركيز العملة الفلاحيين الذين كانوا فيها، أو ممن كانوا من العاطلين، أقمنا فيها وحدات إنتاج تعاضدية، ولكننا فشلنا في تلك التجربة وباتت من وقتها مرفوضة، وللتاريخ أقول لقد شاركت في إدارة تلك التجربة لما كنت معتمدا بالنفيضة وفي تصفيتها لما أصبحت واليا لمدة عقدين، وحاولت ان افهم الحقيقة. ولكنني لم أظفر بشيء مفيد، وغادرت السلطة، وتركت الامر على حاله.
كان كل واحد جاء بعدنا يرمي بذلك الملف الحارق لمن يأتي بعده، وهكذا أضعنا على أنفسنا وعلى المجموعة فرص عديدة كنا في أشد حاجة اليها.
لذلك وبعدما تابعت حوارا اذاعيا مع وزير املاك الدولة اثارني واعجبني قررت أن اتفاعل بهذه الدردشة القصيرة.
فأقول بان الموضوع كبير ويتطلب المبادرة والجرأة والشجاعة الشفافية ولمست ذلك كله في الوزير الذي تعهد بتصفية ذلك الملف بطريقة نهائية.
لكنني قدرت ان أنبهه لقضايا حارقة أخرى أشد علينا من ذلك الملف الذي تعودنا عليه وخاصة استفحال تدخل الدولة في كل شيء حتى الذي لا علاقة له بالاستراتيجية.
لقد بتنا ننظر بسلبية لسوء التصرف والعجز المستفحل الذي أضر في عدة قطاعات ومؤسسات وبقينا بها متمسكين، مثل معامل التبع والوقيد والانفراد بتوريد المواد المدعمة التي اضرت بصدوق التعويض الذي بات يستفيد منه أكثر الميسورين من المحتاجين، وكان علينا انهاء ذلك الموضوع بالتعويض المباشر.
بذلك يمكن ان يكون لنا بحق وزيرا لأملاك الدولة وليس بوزير للأوقاف المحلولة يتفاخر بالمفاتيح الكثيرة وكأنه وكيلا عقاريا. أو يتفرج على المنقولات المصادرة التي تفقد قيمتها بمرور السنين
لذا ارجوه أن يتجرأ ويعمل في نطاق العدل والشفافية وعندها ننسجم مع نصيحة عالم الاجتماع الذي نفتخر بانتسابه لتونس وقد أقمنا له تمثالا في مدخل المدينة.
تونس في 28/05/2020