بكل جرأة يكتبها محمد عبد المؤمن / مسيرة احتجاجية من الشعب ضد الشعب

كتب محمد عبد المؤمن

منذ 2011 وتونس تعيش على وقع المسيرات الاحتجاجية والاعتصامات وتعطيل مرافق الانتاج واغلاق الطرقات  وتوقف الانشطة الحيوية.

الكل يطالب ويحتج ويغضب ويصيح ويعبر .

ولو نظرنا في محور هذه التحركات جميعها لوجناها ضد السياسيين ان كانوا كحكومة او كنواب في البرلمان. أي ان الشعب يحتج ضد من اختارهم بطريقة مباشرة او بالوكالة.

مسألة الوكالة في الاختيار هذه تحيلنا اولا الى القانون الانتخابي وما صحبه من كوارث اولها خيار او نظام اكبر البقايا الذي يمكن ان يأتي لنا بنواب في مجلس الشعب ببضعة مئات من الاصوات  لنجد انهم نواب الهانة وهو ايضا يحيلنا على نظام القوائم أي نظام “قطوس في شكارة “واختر القائمة او الحزب و”انت زهرك”  لكن للأسف يبدو ان الزهر غير موجود لأننا لم نجد الا السيئ  والأسوأ والاكثر سوءا.

مسألة الوكالة في الاختيار تحيلنا ايضا الى النظام السياسي وهو هجين غريب فوضوي لا نعرف ان كان رئاسيا ام برلمانيا ام فرديا فهو يتبلور وفق الاهواء والوضع القائم .

نظام الوكالة في الاختيار ايضا اتى لنا كما يقال بالكسيحة والنطيحة وما اكل السبع وحتى ما اكل الضبع .

لو نعود الى مسلسل الاحتجاجات والذي بات مسلسلا مملا وثقيل الظل لوجدنا انه بعد عقد يصل جزأه العاشر باعتبار انه في كل عام يكون هناك جزء .

لكن كل جزء اتعس من الذي سبقه.

مع العشرية وبعد اكتساب الشعب لخبرة كبيرة وعريضة وايضا حنكة في المسيرات والاحتجاجات ربما نكتشف ان هناك احتجاجا واحدا لم يحصل لكنه بات ضروريا لأنه احتجاج ضد المتسبب الاول والرئيسي فيما وصلنا اليه وما نعيشه ونعانيه.

اليوم نحن في حاجة لمسيرة مليونية حاشدة من الشمال الى الجنوب او انها تملأ شارع بورقيبة تكون من الشعب ضد الشعب .

أي ان الشعب عليه ان يحتج على نفسه.

لكن لماذا؟

لماذا هذه تبدو وكأنها تحيل على الاستغراب او الاتهام بالمبالغة او الجنون .

لكن مسيرة الشعب ضد الشعب لن تكون اكثر جنونا من سياسيي اليوم ونواب الهانة الذين نراهم ونتابع مسرحياتهم السمجة الغبية.

كانت في البداية بين يمين ويسار ثم قديم وجديد ثم ثوري وغير ثوري او نظام بائد ثم نهضة نداء ثم نهضة قلب تونس ثم نجد نهضة تتحالف مع كل هؤلاء وتخرج في مسيرة احتجاجية  للمطالبة بالشرعية أي ان السلطة تخرج ضد نفسها وتطالب نفسها ومن يحلل ويناقش فالويل له فقد تجاسر على آمون ومعبد آمون وخوفو وخفرع ومشتقاتهما.

النقابيون يحتجون والاحزاب تحتج وكل القطاعات تحتج فليس هناك أي طرف او جهة لم تحتج وتعتصم وتطالب .

الا جهة واحدة وهي الشعب ضد الشعب .

اليوم على الشعب ان يخرج محتجا ضد نفسه لأنه هو من اقترع وهو من وضع بطاقات الاقتراع في الصناديق وهو من جاء بالنواب والاحزاب والحكومة والرئيس ورؤساء البلديات واعضاء المجالس البلدية .

كل هؤلاء هو من جاء بهم فعلى ماذا يريد ان يحتج ؟ ولماذا يخرج ليطالب ويتهمهم بالتقصير او بالفساد او بخدمة مصالحهم وهو من اتى بهم بل هو الى الان يهاجم من ينتقدهم .

من يحتج على الغنوشي او النهضة فالشعب هو من يغضب منه وعليه .

قبله من ينتقد قائد السبسي قيل له من انت لتنتقد صاحب الخبرة والحنكة ومنقذ الدولة بالتالي ممنوع الكلام في حضرة الشيخين او نقدهما.

من ينتقد الاتحاد فهو عميل وامبريالي وان لزم الامر اداة في يد لوبيات.

ومن ينتقد رجال اعمال فهو ايضا يخدم أجندا ما.

بمعنى آخر الانتقاد ممنوع .

ما نعيشه حالة غريبة فالشعب هو من يحدد طبيعة المشهد ككل وهو من يحتج عليه بعد ذلك وهو من يهاجم ايضا .

وتلك هي الديمقراطية اما ان كانت جاءت قبل اوانها ام لا فتلك مسألة اخرى .

نشر المقال في الجرأة التونسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى