بكل جرأة يكتبها محمد عبد المؤمن / الغنوشي : عقل النهضة و المعادلة الصعبة
كتب محمد عبد المؤمن
ليست هناك شخصية في تونس اليوم مثيرة للجدل مثل رئيس النهضة راشد الغنوشي .
هذه الشخصية اعترف لها خصومها كونها عقل النهضة المدبر والذي انقذها من الازمات منذ 2011 وحتى قبلها .
لكن هذا الاعتراف له معارضوه ايضا فالبعض يراه سبب الازمة في البلاد والبعض الاخر يراه جزءا من الحل وهنا قد يغيب التقييم الموضوعي ليحل مكانه لدى الكثيرين الموقف المسبق ان كان منه شخصيا او من الاسلام السياسي ككل.
الغنوشي استطاع ان ينقذ النهضة من ازمات كثيرة اولها كونه استطاع ان يجمع المشتت فالنهضة بعد 2011 لم تكن حزبا بما تحمله الكلمة من معنى بل كان حركة جزء من قياداتها في تونس مكبل ومطارد لسنوات والجزء الاخر في المنفى والمهجر يعيش واقعا آخر ولا يعرف بلاده الا من الجزيرة والحوار التونسي ونقصد نسخة الطاهر بن حسين قبل ان تتحول الى نسخة اخرى مشوهة .
الرهان الثاني كان انتخابات 2011 فبسرعة تحولت الحركة الى حزب ودخل غمار الانتخابات وفاز او كما يقال في لغة الاحزاب اكتسحت النهضة وسيطرت على المجلس التأسيسي.
بدخول غمار السلطة والحكم ظهرت رهانات جديدة ومعها ظهر عقل النهضة المدبر الذي نجح في ارساء الحزب وحوله بسرعة كبيرة الى حزب سلطة تغلغل به في مفاصل الدولة المؤسسات وهذا قد لا يكون اتهاما فأي حزب هدفه الوصول الى السلطة والسيطرة وليست هناك استثناءات والا لكانت النهضة جمعية خيرية وهي ليست كذلك.
مع الوقت بدأت الرهانات تتعقد اكثر لان انتخابات 2014 كانت مخوصة فالنهضة خسرت الصدارة لكنها لم تخسر السلطة وبصفقة هندسها الغنوشي مع الباجي قائد السبسي تجاوزت الحركة اكبر معضلة وباسم تحالف الخطين اللذين لا يلتقيان نظريا حصلت المعجزة والتقيا لكن النهضة ومن وراءها كانوا ينتظرون الفرصة التي اتت سريعا وعادت النهضة للسيطرة وازاحة نداء تونس عن السيطرة بهدوء كبير وتكتيتك من الشيخ كما يقال .
بل اكثر من هذا فمن اختاره الباجي قائد السبسي ليمثله انقلب عليه وصار نهضويا غير متأدلج بل لعله منتأدلج بالمصالح فالشاهد حينها وجد النهضة لتحميه بدل حزبه الذي لفظه وانقلب عليه وأراد ان يعيد سيناريو الحبيب الصيد معه .
اليوم تغير المشهد بالكامل فلم يعد الغنوشي او عقل النهضة يواجه السيستام بل طرفا جديدا هو اقرب للانفعالية او كما يقال في حقه للشعبوية لكن الشعبوية اليوم صارت عالمية واكبر الدول تجد لها الرواج فيها فترامب ما كان ليصل لرئاسة امريكا لولا الشعبوية وماكرون وصل للايليزي بالشعبوية.
قيس سعيد هو رهان الغنوشي الجديد لكنه رقم صعب ورهان صلب لا تنفع معه الاساليب المعتادة لأنه ليس قالبا واحدا .
فالغنوشي اليوم يدرك ان سياسة الهجوم التي انتهجها طوال الفترة الماضية لم تعد تنفع لأنها بدأت تكبد النهضة خسائر بما في ذلك تمرد قيادات هامة فيها وآخرهم لطفي زيتون ابن الغنوشي المدلل .
من الجانب الاخر فقيس سعيد يدرك هو ايضا ان المشهد لا يمكن ان يكون من دون النهضة ويعلم ايضا ان خصمه ليس بالسهل وان الصراع معه مرهق ومكلف .
من هنا فان التفاهم بات قدر الطرفين لكن كل طرف يبحث عن اقصى ما يمكن من التنازلات.
السؤال هنا:
هل سيكون المشيشي محل الاتفاق؟
بالنسبة للغنوشي فالمعضلة ليست في المشيشي ولا في بقائه او ذهابه ففي نهاية المطاف لا تتحمل وزر فشله النهضة لانها لم تأت به بل اتى به قيس سعيد وان كانت تحميه اليوم فإنها تفعل ذلك لغاية ما وهي ماذا سيطرح قيس سعيد مقابل التخلي عنه .
أي ان كل طرف يريد اتفاقا واضحا لما بعد فترة المشيشي وكلاهما بات يدرك ويعلم انه كان الخيار الخاطئ وان البلاد تتطلب اليوم شخصية ذات خبرة كبيرة في ادارة الازمات لان هناك خصم آخر متربص بهما معا هو اتحاد الشغل فكلاهما يتجنب الصراع معه لكنه مستوعب كون الصراع ات لا محالة ولا بد منه يوما ما.