بكل جرأة يكتبها محمد عبد المؤمن / الأمن القومي صار آخر اهتمامات السياسيين

كتب محمد عبد المؤمن :

من بين المقاييس التي تعرف بها قوة الدول وايضا جدية الدول هو اهتمامها بأمنها القومي .

والأمن القومي مفهوم شامل لا يتعلق كما قد يتبادر الى الذهن بالجانب الاستخباراتي والاستعلاماتي والعسكري فقط بل يتعداه الى ما هو ابعد من ذلك بكثير .

من اهم ركائز الامن القومي لأي بلد هو امنها الغذائي  وفي هذا الصدد

من المهم أن نعرج على نتائج توصل إليها معهد الدراسات الاستراتيجية  في دراسة كان قد اعدها منذ فترة في علاقة بالأمن القومي الغذائي ولعل أكثرها معلوم لكن الجدة هنا في أمرين :الأول تقديم معطيات دقيقة حول المشاكل الحقيقية وعرضها والثاني وهو مهم جدا بل لا نبالغ أن قلنا انه أساس المشاكل كلها وفي نفس الوقت هو الحل وما نعنيه هنا الوازع الوطني أو ما وصفه وحددته الدراسة  في النتائج التي استخلصت بنقص الواعز الوطني.

السؤال هنا: اي علاقة للفشل في تحقيق وضمان الأمن القومي الغذائي لبلادنا بغياب او نقص الواعز الوطني!

قبل هذا يمكن أن نستعرض ولو بشكل برقي أهم النتائج التي خلص إليها التقرير الذي لا نظن ان السياسيين اطلعوا عليه.

فأول ما دعا إليه هو ضرورة إعداد استراتيجية جديدة في علاقة بالأمن القومي ولعل المهم هنا هو مصطلح إعداد استراتيجية لأنها آلية مفقودة ومن المهم الإشارة إلى أن إيلاء الموضوع دراسة أو ندوة أمر مهم لكن السؤال ماذا بعد ذلك أي هل ستستفيد مختلف أجهزة الدولة بما في ذلك الوزارات بما يقد في الدراسات من معطيات.

من ذلك إعداد مؤشر وطني حول الأمن القومي ونقصد هنا الغذائي باعتباره الأهم فلا خير في بلد يأكل من الخارج.

الأمر الآخر وهو معطى مهم وضروري وهو بديهي في نفس الوقت الاستفادة من الإمكانيات الفلاحية أي انه إقرار كون السياسة الفلاحية غير صائبة إن لم نقل أنها فاشلة أي ضرورة القيام بإصلاحات لرفع الإنتاج والإنتاجية والهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي خاصة في المواد الاستهلاكية الحيوية كالحبوب والمواد التي تستورد وتباع مدعمة مثل الزيت النباتي والسكر وغيره.

الدراسة  عرضت أيضا جملة من المشاكل والعوائق الأخرى مثل سوء التصرف في الأراضي الفلاحية ونقص المكننة ومعضلة التخزين والتوزيع ونقص المياه.

كل هذا قد يكون مهما لكنه يبقى مسائل تقنية يمكن معالجتها لو توفرت الإرادة السياسية لكن مع كل هذا هناك جانب آخر مفقود أشارت إليه توصيات المعهد وهو نقص الواعز الوطني.

هنا نتساءل مجددا: هل المشكل في عدم الثقة في النفس والإيمان بكون بلادنا قادرة على ضمان أمنها الغذائي أم أن هناك خلل في المنظومة ككل؟

نعم هناك خلل كبير يتعلق بالنفسية العامة والاستراتيجية المتبعة منذ الاستقلال في علاقة بالأمن القومي الغذائي والأمثلة هنا كثيرة فتونس التي كانت تسمى مطمور روما كونها تحتكم على أراض زراعية قابلة لتحقيق الاكتفاء الذاتي تستورد 60بالمائة من حاجياتها من الحبوب وتونس التي أقامت مبكرا سلسلة هامة من السدود منذ الاستقلال تعاني اليوم من نقصها وسوء التصرف في المياه.

الوجه الثاني لنقص الواعز الوطني هو ما نراه بعد 2011خاصة من سيطرة كبيرة على مسالك التوزيع وتهريب قوت الشعب وهذا صار يشمل حتى المستورد منها أي أن غياب الواعز الوطني يتجسم في تغليب المصالح الفردية على مصلحة البلاد العليا وأيضا عدم الإيمان بالذات وبالقدرة على الخلق والإبداع  .

الى ماذا نريد ان نصل من كل هذا؟

ما نرمي اليه هو ان البلاد تسير بالبركة وكما قال احدهم وهو جنرال  : بلاد سخونة وبركة الصالحين .

نشر هذا المقال في الجراة الأسبوعية :

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى