بكل جرأة: تونس تدخل في المرحلة الثانية للثورة و”تصفي” النظام القديم والثورة المضادة
عندما انطلقت الثورة في السودان ضحك منها بعض محللي الخليج واعلاميي البلاطات ووصفوها بالعبث.
الأمر نفسه يحصل اليوم في لبنان حيث تصدر صحفيو السلطة في النظام المصري القمعي ودول خليجية يفسرونها حسب اهواء اسيادهم فهي مؤامرة وتحريك للنعرات الطائفية في حين ان اللبنانيين ثاروا ضد النظام السياسي الطائفي والفساد.
لو نظرنا في مجمل هذه الاحتجاجات التي تحصل وحصلت نجد ان اهم اسبابها هو الفساد المستشري لدى النظام والماسكين بالسلطة وما يحصل في مصر اليوم نموذج لما وصل اليه الوضع حيث ان قلة تسيطر على كل شيء وتعيش في ترف وتبني القصور والفيلات وتنفق بلا حساب بينما الشعب من الحضيض الى الحضيض.
المسألة لم تعد اخوان وغير اخوان فقد انتهت حكاية الاخوان والارهاب وصار المواطن يدرك ان رفضه للإخوان لا يعني ان يقع تحت قمع العسكر ونقصد هنا بعض الجنرالات لا الجيش ككل.
لكن وسط كل هذا فان تونس تبقى تجربة مخصوصة فان كانت الشعوب العربية الاخرى ماتزال تناضل من اجل الديمقراطية والحريات فان الشعب التونسي تجاوز هذا .
بعد ان مرت سنوات على الثورة وقرب دخولنا نهاية العقد الاول بدأنا ندخل مرحلة جديدة بعد مرحلتين سابقتين حصلت فيهما دروس مهمة.
التجربة الأولى كانت بداية من 2011 حيث كان الوعي الديمقراطي بسيطا وسار الشعب بهواه وعاطفته وانفعاله .
التجربة الثانية كانت رفض للأول والرجوع ولو نسبيا للنظام القديم يطلب منه الانقاذ لكنه اغرقه وكاد يجهض على الثورة ككل.
المرحلة الثالثة التي ندخل فيها اليوم هي مرحلة انتهاء النظام القديم كليا بالديمقراطية وصندوق الاقتراع لا بالانتقام ولا الثأر.
فالثورة المضادة هي التي أرجعت وجوها مشبوهة واخرى متورطة الى المشهد وهي التي ارادت انهاء العدالة الانتقالية والتي فرضت ما سمي المصالحة الاقتصادية وهي في الحقيقة دفع ثمن لدعم مالي واعلامي في انتخابات 2014.
هذه الثورة المضادة قدمت لنا مشروعا مجترا كون الوجوه القديمة هي صاحبة التجربة وهم رجال دولة وقادرون على انقاذ البلاد لكنهم اغرقوا البلاد .
هذا الشعب اراد تجاوز كل هذا وأراد ان يصنع رمزا لهذه المرحلة الجديدة وجعل من رئيسه الذي انتخبه هذا الرمز لكن الامر لم ينته هنا.
هنا نستحضر تجربة جديدة تنطلق هي التحركات الشبابية في كامل تراب الجمهورية بداية من حملات النظافة التي حصلت الى الاقتراع لممثل الثورة كرئيس الى تكون برامج ومشاريع على ارض الواقع.
ضمن هذا تتنزل تجربة حراك 13 اكتوبر والذي كالعادة بدأ يتعرض للقصف حتى قبل الاعلان الرسمي عنه بين من يسأل عن تمويله وعن مؤسسيه في حين ان الامر لم يتجاوز الفيسبوك الى الآن فلا ندري عن أي تمويل يتحدث هؤلاء.
قد تنجح تجربة حراك13 اكتوبر وقد تتعطل ليس هذا المهم فما يعنينا اساسا هو طبيعة هذا الوعي الذي بدأ يبرز ويفرض نفسه وانزياح كل الوجوه القديمة التي فرضت نفسها لسنوات كصاحبة قرار وانها تمتلك المعلومة والحقيقة وعلى الشباب القاصر فكريا ان يسمع لها وينفذ وهم صاغرون.
ما نراه من حالة هستيريا اعلامية لدى البعض يصب هنا فهؤلاء لا يرضيهم شباب واع بل يريدون رعايا ويرفضون ان يكونوا مواطنين .
يريدون عقلية المخزن التي “يهبرون” منها لا عقلية الدولة والشعب.
ما يحصل في تونس اليوم هو مرحلة جديدة فرضتها الاحداث والتجربة وأيضا عقلية جديدة لشباب تربى على شعارات الثورة أي الذين كانوا يوم 14 جانفي 2011 أطفالا لا يفقهون شيئا لكنهم الآن صاروا عقولا تفكر ووعيا يقرر
محمد عبد المؤمن