بعد ثماني سنوات من الثورة : ما زال بن على يعزل المسؤولين في الدولة

بقلم : سفيان بن حميدة

قررت رئاسة الحكومة اعفاء مدير القناتين الوطنيتين الأولى والثانية من مهامه. وجاء هذا القرار اثر بث القناة الثانية في اليوم الأول من رمضان لبرنامج ديني من الأرشيف تضمن دعاء ونهمئة للرئيس الأسبق زين العابدين بن على ولزوجته. واعتبر بيان الاقالة أن هذا البرنامج /مس من مشاعر المشاهدين من التونسيين/ مضيفا انه تم فتح بحث اداري والشروع في اجراءات التتبع الجزائي ضد من تثبت مسؤوليته عن بث هذا البرنامج.

ولعل هذا الأمر يستدعي توقفا لإبداء جملة من الملاحظات علها تساعد على فهم هذا الارتباك الواضح في تصرفات المسؤولين وضعفهم الجلي في ادارة الأزمات مهما كانت ثانوية.

ويتعين التأكيد في البداية أن الخطأ البشري في بث هذا البرنامج واضح لا لبس فيه. وهو خطأ مهني واداري يكشف عن مشاكل هيكلية تعاني منها التلفزة الوطنية منذ عقود رغم النداءات المتكررة والملحة لاعادة ترتيب أوضاعها الداخلية بشكل يخرجها من وضع /التكية/ الذي تعرفه حاليا الي وضع مؤسسة اعلامية قادرة فعليا على تحمل دورها كمرفق عام ناجع وقادر على منافسة القنوات الخاصة دون الانخراط في التوجهات التجارية المفرطة لهذه القنوات.

كما يجب التأكيد أنه من الضروري تحديد المسؤوليات ومساءلة المتسببين في هذا الخطأ الاداري والمهني لأن أي مؤسسة تحترم نفسها يجب أن تقوم على الانضباط المهني ولها سلم عقوبات واضح يتم تطبيقه لدي وجود اخلالات تمس من مهنية المؤسسة وحسن ادارتها.أما أن يتطور الأمر الى حد اعفاء مدير بسبب خطأ لا نخاله بحجم أخطاء كثيرة أخرى ارتكبت في العديد من المجالات والقطاعات فهذا مبالغ فيه ولا يدل على حزم كبير بقدر ما يؤشر على ارتباك واضح. واذا قبلنا بمنطق الاقالة الفورية لمدير القناة الأولى والثانية فلنا أن نتساءل لماذا لم تتم اقالة مسؤولين عن مؤسسات أخرى بنفس المنطق وبنفس السرعة. وحتى نعطي بعض الأمثلة فانه يمكن التساؤل لماذا لم تتم اقالة المسؤول الأول عن الناقلة الجوية الوطنية بعد كل الاخلالات الكبيرة المسجلة آخرها نسيان طفلين داخل احدى الطائرات لأكثر من أربع ساعات. ولماذا لم تتم اقالة وزير النقل بعد كل المشاكل التي سجلت في هذا القطاع. فهل ان بث تهنئة لرئيس نظام عصفت به الثورة أخطر من فقدان عشرات الأرواح التي تعصف بهم طرقاتنا. وان ما ينطبق على المدير العام لشركة الخطوط الجوية التونسية وعلى وزير النقل ينطبق كذلك على عدد كبير من الوزراء وعلى عدد اكبر من مسؤولي المؤسسات العمومية في قطاعات مختلفة.

ويبدو تبرير اقالة مدير القناتين الأولى والثانية بالمس من مشاعر المشاهدين من التونسيين واهيا. ذلك أن مشاهدي القناة الثانية قليلون بسبب البرامج القديمة المكررة التي تبثها حتى أن برنامجها الأكثر متابعة مازال مسلسل /شوفلي حل/ الذي مر اكثر من خمسة عشر سنة على بثه أول مرة.ويظهر من ردود الفعل الأولى على بث البرنامج الديني من الأرشيف وما يحتويه من تهنئة لرئيس النظام السابق وزوجته انها ركزت اما على طرافة هذا الخطأ بما يجعل التصرف الأمثل تجاهه هو وضعه ضمن فقرات برنامج يبث آخر السنة يتعلق بالأخطاء واللقطات الطريفة التي بثتها القنوات التلفزية طيلة العام واما على المقارنة بين الخطاب المحنط الذي كان يطغى على الاعلام الوطني في جميع جوانبه قبل الثورة وبين حرية التعبير التي يتمتع بها الشعب التونسي بعد الثورة. ولا يوجد أي مؤشر على أن التونسيين مست مشاعرهم بسبب هذا الخطأ البسيط. وكيف لهم بهذا الشعور وقد تعودوا على وجوه قيادات من النظام السابق تحتل اليوم مواقع في الحكومة وفي دوائر القرار داخل الأحزاب الحاكمة.

 

وأخيرا فان أسوا ما في هذا القرار هو ما يعطيه من انطباع بأنه توجد لدي الحاكمين رغبة في اعادة صياغة تاريخ البلاد ليس على أساس الوقائع مهما كانت مؤلمة بل على أساس الأهواء والرغبات. وما يغفله هؤلاء ان النظام السابق ورئيسه هم جزء لا يتجزأ من تاريخنا وأن بن على لن يعود ولا مكان له الا في ورقات الماضي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى