الكورونا و فن اللامبالاة

كتب : الباحث في علم الاجتماع معاذ بن نصير

قد يغدو الانسان متشنجا أمام مصائبه اليومية التي تؤرقه، قد يعيش أزمة نفسية و إجتماعية صلب ما تعترضه من مشاكل سواء في حياته العائلية أو الإجتماعية أو المهنية، لكن الملاحظ أن التونسي قد قطع مع هذه النظرية و أسس لنفسه نظريته الخاصة و المخصوصة و تعايش مع الكورونا بطريقته و خلق فنا سمّي بفن اللامبالاة.
فسوسيولوجيا خلق بعض التونسيين استراتيجيتهم لمواكبة التحولات و المتغيرات الاقليمية و الخطر المهدد لجميع دول العالم و المتمثل في فيروس الكورونا.
لقد تطرق ابن خلدون لمثل هذه الوضعيات عبر قوله :
إذا رأيت الناس تكثر الكلام المضحك وقت الكوارث فاعلم أن الفقر قد اقبع عليهم وهم قوم بهم غفلة واستعباد ومهانة كمن يساق للموت وهو مخمور…
وإصابة العقل لها تبعات خطيرة على السلوك والفكر والتعامل مع الأخر , من نفور واشمئزاز للشركاء ،يودي لسلوك غير سوي ومظاهر عدم المساواة ، وللتعافي يحتاج المريض لمعالجة الأوهام العقلية التي أفرزت مفاهيم زائفة، على مر السنين، من الصراعات والحروب والتراكمات ، ليستعيد المريض إنسانيته أولا ليستقيم عقله وتفكيره ويتعافى من أوهامه .
و كم من تونسي اليوم يشكو من مرض «اللامبالاة «، نضحك و نستهزئ أمام كوارثنا المعيشية اليومية، لذا عذرا يا ابن خلدون فبعض ابناء بلادي يعانون من «عضال العقل» و «عضال الفكر» و «عضال الإرادة» فلا رغبة لهم للفكر و لا للتغيير…
إلّا أنّنا جميعًا نعرف بشكلٍ أو بآخر أنّ هذا النوع من اللامبالاة يكون نتاجَ قسوة الحياة والإحساس بالعجزِ والضآلة أمام كمّ المعاناة والظلم الّتي نراها من حولنا ، فغلاء المعيشة و ارتفاع نسب البطالة و الفقر و خاصة الفقر المدقع و الخصاصة و الاجتياج و التي ولا نملك إزاءها أن نفعل أي شيءٍ للتخفيف منها فلا الدولة بحكوماتها و سياساتها و نوابها قادرة على الفعل و التغيير الاجتماعي و الاقتصادي للتونسي و لوضعيته الهشة.
لكن، أمواج البحر تضرب الشاطئ برتابةٍ والشّمس تشرق وستظلّ تشرق مع كلّ ما يجري من أهوالٍ على الأرض، هل يمكن إذًا أن نعتبرها نقطة قوة عندما نتمكن من تجاوزِ الألم الذي يتولد عن رؤية الظلم؟ أم أنها لا تعدو كونها طريقة لغضّ الطّرف عن المآسي والفظائع لتسيير شؤون الحياة؟ لابدّ وأن اللامبالاة تتخذ أشكالاً أخرى مختلفة.
يقال أنّ أفلاطون كان يدعو ديوجين الكلبي بـ “سقراط المجنون”، وذلك لأنّه كان يبدو في سلوكه وتصرفاته شبيهًا به غير أنّه بلغ حدًّا متطرّفًا لم يبلغه سقراط، فقد كان يتسكّع في الشّوارع يأكل ويمارس أفعالًا مشينة، وقد يحمل مصباحَه في وضح النهار قائلًا أنّه يفتّش عن الإنسان، وينام في برميل ويأكل مع الكلاب..
إذا هل أصبح التونسي اليوم ينام في برميل القمامة و يأكل من أطنا الأوساخ و عندما تسأله عن حاله يجيب ب «الحمد الله» ؟ أن نصنع نوعا من الأمل الروحانيّ الكاذب في واقع ميؤوس منه؟
نتعايش بالضحك و الاستهزاء مع الكورونا ، احتللنا الفايسبوك بجمل توضح عدم مبالاتنا لما يحصل في دول الجوار و بتونس ، اللامبالاة لأن الآخر هو الغريب هو المعني بالمرض ، لكن إذا كان أحد أقاربنا أو هو ذاته من مسه المرض ستتغير عندها سلوكه و فن لامبالاته مع الكارثة.
السرّ، في هذا إن كنا نريد للامبالاة أن تعيننا على الألم في الحياة. أحيانًا تكون اللامبالاة أشبه باللعبة التي يمكن أن نلعبها مع الحياة والكون، فعندما تكون أحزاننا الصغيرة مهيمنة على عقولنا، مطبقةً على أنفاسنا يمكن أن ننظر إلى سعة الكون وغموضه لنلتمس العزاء بأن هناك كونٌ شاسعٌ يدور فيما نظن بأنّ كل شيء متوقف في لحظة الألم والحزن تلك. أما إن أرهبتنا سعة العالم وشعرنا بالتعب من تناهي عقولنا أمام هذا اللامتناهي أمكننا أن ندير ظهورنا بلامبالاة صارخة تجاه كل ما في الكون لننشغل بشؤوننا الصغيرة التي قد تحقق بمحدوديتها شيئًا من الرّاحة والأنس.
وهكذا يمكن أن تكون اللامبالاة في أكثر صورها عمليّةً، استراتيجة أو فلسفة أو لعبة يمكن أن نلتمس بها القوّة، ولعلّ أفضل ما أنهي به هذا المقال ما قاله الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي: “أقول لك (عدم المبالاة) فافهم عنّي فإني أريدُ أن تحفظَ هذه الكلمة وتعيها من بوادي هذا الحبّ إلى تَواليه إلى أعقابه. إنَّ عدمَ المبالاةِ يكون في بعض الأحيان، وفي بعض الأمور هو كل ما تكلّفنا بهِ الطّاقة البشرية من المبالاة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!