الشاهد في طريقه الى السيطرة على تونس
منذ نشأتها لم تكن نسمة وسيلة اعلامية بقدر ما كانت وسيلة لترقية الدكتاتورية وتفكيك منظومة المجتمع الاخلاقية، ثم لاحقا بعد الثورة تحولت الى احد اهم أدوات الثورة المضادة، وكان صاحبها من المجاهرين باستعمال القناة لتصفية الحسابات وتأديب الخصوم، كانت باستحقاق قناة ضد أخلاق الشعب، ضد ثورة الشعب، ضد مؤسسات الشعب، ضد الأحزاب التي اختارها الشعب، عملت على تجميع قطع غيار التجمع في نداء تونس والفت اليه مكونات رخوة هبشتها من جميع المشارب تقريبا.
منذ ظهوره على الساحة لم يكن يوسف الشاهد غير ذلك الندائي الصغير الذي تَرْشح منه رائحة التجمع، وهو في خلاياه السياسية أقرب الى نبيل القروي من غيره، والاكيد ان رؤيته الاعلامية متجانسة مع رؤية نسمة، وطرحه يتماهى مع طرحها، ولا يمكن بحال الحديث عن هبّة يوسفية نظيفة لتأديب فساد نسمة، ولا يستقيم الحديث عن غيرة الشاهد على قانون كان يعاني لسنوات طوال، والثابت بلا شك، ان شفقة الشاهد على القانون بعد سنوات من انتهاكه، كشفقة التجمعيين على بورقيبة بعد سنوات من تسليمه فريسة هرمة لجنرال باطش متعطش للدم، وكما عاد سماسرة البورقيبية الى بورقيبة لأغراض بائسة، عاد الشاهد لسيادة القانون لأغراض موغلة في البؤس.
*اذا ما الذي وقع؟!
وحتى يستفيد يوسف الشاهد بشكل واسع من الإعلام العمومي الذي خضع له بالكامل، استعمله للهيمنة اولا ثم لمغازلة العنصر النسائي، في عملية غزل ماجن، تؤكد ان رئيس الحكومة بات يتعامل مع المشهد الإعلامي كملكية خاصة يصرفها بين يديه كالعجين، حركة استعراضية قام من خلالها بتعيين ست نساء على راس الإذاعات العمومية: الاذاعة الوطنية : حفيظة علوش. إذاعة الشباب: نائلة الساحلي. الاذاعة الثقافية: امال القطاري. إذاعة تونس الدولية: سميرة المهداوي. إذاعة بانوراما: جيهان الخوني. إذاعة صفاقس: ندى الشعري!!! يتصرف الشاهد بمرونة كاملة بعيدا عن مفاهيم الدولة واعرافها ونواميسها، لا شيء يقف في وجه الشهوة اليوسفية مادامت ستمهد الطريق نحو الاستحقاقات الانتخابية القادمة.
لا لم ينتهي المسدي او مخ الشاهد الإعلامي من تكديس المشهد في جراب زعيم تحيا تونس، ولا الشاهد شبع من تخمة التعيينات، استحواذات اخرى في الطريق، يتعلق الأمر بشركة كاكتوس برود، التي تحتكر مشهد الانتاج في الساحة وطالما غذت قناة الفهري بمنتوجها، ولديها ما تقوله ايضا في قناة التاسعة! هنا سيتحرك الشاهد في خاصرة الإعلام الخاص، سيسيطر على شركة الإنتاج الأهم في تونس، ومنها يقوم بخنق القنوات التي يرغب في تطويعها ولا يمكنه فعل ذلك بأشكال مباشرة لإفلاتها من دائرة الملكية العمومية، سيهب لمن يشاء اشهار رمضان ويحجبه عمن يشاء. لذلك وبعد سكوت دام 8 سنوات وعشية الانتخابات التشريعية والرئاسية ربما الاهم والاخطر في تاريخ تونس، فجأة تذكر يوسف الشاهد ان شركة الانتاج المصادرة منذ سنوات تحتاج وبشكل ملح وخلال ايام معدودات لمن يديرها بشكل رسمي! هنا دخلت السيدة إلهام الصوفي الترجمان على الخط، وهي المتصرفة القضائية لشركة كاكتوس، لتعلن عن عقد جلسة عامة يوم 15 ماي لتعيين مدير عام على رأس الشركة! أبعد كل ذلك التأخير، يصبح الامر اكثر من مستعجل ، ويتحتم انجازه خلال ايام معدودات! أي نعم كذلك تقتضي الخطة “أ”.
سلسلة من التعيينات المركزة غالبية شخصياتها محسوبة على مفدي المسدي، تعيينات تنحو تجاه الاستعراض الكاريكاتوري لطائفة من السيدات على راس الإذاعات العمومية، وكان القصبة تصرخ : لم يعد ذاك الشيخ،هذا الولد هنا أيها المليون مرا.. وكالة الأنباء.. احد اشهر الاذاعات.. اشهر شركات الانتاج قريبا تحت قبضة الولد، مهد لها الطريق بتحجيم او شطب خصمها، والمنافس القادر على مزاحمتها في سوق الإشهار “نسمة برود”، فحين تغرب برود، سيخلو وجه الاشهار لكاكتوس…كل ذلك ومنجل الشاهد مازال يحش بشراهة، يجمع اليه المشهد الاعلامي ومشاهد أخرى لتشهد له حين ينطلق السباق التشريعي والرئاسي، السباق الذي يترقبه الشعب التونسي، وأمله في نزاهة اكثر وشفافية اكبر وتجاوزات اقل، لكن الشاهد ومن خلال سلوكه الاستحواذي النهم على المشهد الاعلامية، ومن خلال صفعاته الخدماتية لرجال أعمال من الخصوم لحساب رجال اعمال من الاصدقاء، وتعيينات أخرى في مجالات اكثر من دقيقة سنعود اليها بالتفاصيل والارقام، كلها مؤشرات تؤكد ان بن علي بخلفية مدنية، وبلا بدلة عسكرية، يعد على عين بعض الجهات، بل على اعين كثيرة، لجهات كُثر!
هاهنا في تونس يسعى الولد الفرعون الى بناء أهرامات من النفوذ، وذلك باستعمال سلعة الدولة، انه لا يصعد ببنائه كما اهرامات الفراعنة، انه يتمدد ويتوسع ببنائه على سطح الوطن، ويترك معاندة السماء للخمير الحُمق، فلسفة السيطرة لم تعد افقية، لقد اصبحت عمودية، والنقوش لم تعد كما عصر الفراعنة باللغة الهِيروغليفية، لقد أصبحت باللغة الصبايحية.. هاهنا في تونس حالة حمقاء، توحمت قديما، و تعيش مخاضها، والغالب انها ستلد لهذا البلاد فرعونها المنتظر.