تطبيع المغرب: خشبة أخرى تطفو من جنوح سفينة خيانة القضية الفلسطينية

بقلم: محمد الرصافي المقداد

تصدرت وسائل الاعلام العالمية خبر توصل الرئيس الامريكي لابرام صفقة مع الملك المغربي محمد السادس، تم بمقتضاها الاتفاق، على ان يقوم الاخير بالتطبيع الكامل مع الكيان الصهيوني، مقابل اعتراف أمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية ووادي الذهب، وقد كنا ننتظر أن يقوم المغرب بالتطبيع العلني بعد التطبيع السري، الذي اداره الملك الاب وابنه بمنتهى الترتيب، فيما تظاهرا في الاثناء بمناصرة القضية الفلسطينية، ويبدو أن جائحة التطبيع سوف تتواصل اكتساحها للدّول العربية، كجائحة كورونا، ولكن على من سيأتي الدور في قادم الايام، ولم يعد بفصل ترامب عن مغادرته مقر سلطة امريكا وبيتها الاسود سوى بضعة اسابيع؟

واعتبر انه ليس جديدا ان يظهر النظام المغربي بمظهر المطبع اليوم، فهو وان اجهد نفسه في اخفاء علاقاته مع الكيان الصهيوني، منذ تولي الحسن الثاني مقاليد الحكم في المغرب، فإن تلك العلاقة لم تخف على المؤسس والدافع الغربي لها، وان كان المقابل هذه المرة اعتراف امريكا بمغربية الصحراء، فهو في الواقع لن يغير شيئا من النزاع القائم، اللهم الا اذا تدخلت امريكا والكيان الصهيوني لحسمه عسكريا لفائدة الملك.

تشبث الملك بالصحراء الغربية(1)، غاضّا طرفه عن مدينتي سبتة ومليلة(2)، يدعونا الى التساؤل ان كان استحقاقا قانونيا ام لا، خصوصا وان هناك مقاومة مستميتة من الشعب الصحراوي، الذي رفض منذ البداية الانضمام الى حكم المملكة؟  

الملك محمد السادس- وهو الحاكم الاوحد في المغرب، وما دونه شكليات، شبيهة بالدمى التي يحركها الأراجوز – يدرك جيّدا، أن مطلبه سيقابل بالرفض من جهتين،  الجهة الاولى، الحكومة الاسبانية، التي تعتبر أن المدينتين إسبانيتين، والجهة الثانية، هي أن سكان المدينتين وأغلبهم مغاربة، يرفضون كذلك خلع عدالة حكومة الاسبان، للدخول في حكم ليس فيه حرّية، غير ديمقراطية مزيفة، بمعارضة مصنوعة لإيهام السذّج، بأن هناك نمط يشبه الديمقراطية في المغرب، لذلك اقتصرت مطالبة الملك بالمقابل على موافقة أمريكا والكيان الصهيوني، لنيل شرعية حكمه على الاراضي الصحراوية،  لاستنزاف مواردها الطبيعية.

صفقة القرن التي دعا اليها الرئيس الامريكي ترامب، ماضية على مستوى حكومات عربية، بمقتضى الرغبة أو الترغيب المعلن، وخادم الصفقة الوفيّ لأسياده، هو وليّ العهد السعودي، الذي يريد أن يغطي على جريمته، التي أمر بتنفيذها وحشيّا، بحق الصحفي عدنان خاشقجي، بمقر بعثة النظام السعودي بأنقرة، بقيادة قافلة التطبيع، الى آخر خائن للقضية الفلسطينية، ليختتمها هو بالانضمام اليها، على أمل اغلاق ملف الاستحقاق الفلسطيني نهائيا، وقطع الطريق على محور مقاومة العدوّ، فيعتبر مارقا عن اجماع العرب فتتحالف عليه ذؤبان الاستكبار، لعلّها تبلغ بذلك تصفيته.

اعتبار الرئيس الامريكي للتطبيع المغربي كما عبر عنه بتغريدة على صفحته بتويتر أنه: “إنجاز تاريخي آخر فقد اتفق اثنان من أكبر أصدقائنا إسرائيل والمغرب على علاقات دبلوماسية كاملة”.(1)

ويأتي اعلان الادارة الامريكية بأن التطبيع بين إسرائيل والمغرب حصل بموجب اتفاق تم التفاوض عليه بمساعدة الولايات المتحدة، وبذلك أصبح المغرب رابع دولة عربية تطبّع العلاقات مع إسرائيل منذ شهر اب الماضي، بعد الإمارات والبحرين والسودان، وكجزء من هذا الاتفاق، وافق ترامب على الاعتراف “بشرعية” احتلال المغرب للصحراء الغربية.(2)

اعتراف ترامب بشرعية ضم المغرب للصحراء الغربية، تحدّيا للقرارات الاممية، لن ينفع الملك وحكومته، ولن يغيّر من صفة الغصب والاحتلال، لأراض رفض سكانها الانضمام الى المملكة، وقاوموا ذلك بقوة السلاح وجبهة (البوليزاريو) تمثل الشعب الصحراوي، وتقف الجزائر الى جانبهم بكل اصرار الى جانب قضيتهم العادلة، في التحرر الكامل من الاسبان ومن النظام الملكي المغربي.

تعابير رئيس الوزراء الصهيوني ناتنياهو، بأن استجابة المغرب الى التطبيع، سوف تمكّن الكيان من العمل سريعا، على اقامة علاقات دبلوماسية معها، مما سيتيح اقامة جسر سلام” بحسب تعبيره. معترفا في نفس الوقت بأن هناك علاقات وطيدة بين المغرب وإسرائيل، على مدار العهد الحديث، ” يعرف الجميع تعامل ملوك المغرب والشعب المغربي الدافئ مع الجالية اليهودية التي عاشت هناك”. وأكد أن “مئات الألوف من أبناء هذه الجالية هاجروا إلى إسرائيل، وهم يشكلون جسرا دافئا بين شعبينا، وهو جسر حب وتعاطف وإخلاص، ينبغي أن أقول إن هذه الأرضية الراسخة تشكل الأساس لبناء هذا السلام”.(3)

قد ضمّن قوله إشارة منه، الى أنه في عهد الملك الحسن الثاني، نفّذت المخابرات الاسرائيلية (الموساد) عملية (ياخين) بين نوفمبر 1961 و1964، وقد اسفرت عن مساعدة أكثر من 97 ألف يهودي مغربي، عبر أوروبا الى الكيان الصهيوني، ومقابل تعويضات مالية للملك.(4) وطبعا ليس بمقدور المطبّعين تزوير التاريخ الحديث، الذي دوّن عمالتهم وخيانتهم، ولا نفرّ لهم من عقاب الله ولعنة شعوبهم.  

لقد تعامل الملك الحسن الثاني مع القضية الفلسطينية بوجهين، وجه مناصر حيث عهد إلى الحسن الثاني برئاسة هذه اللجنة، خلال المؤتمر العاشر لوزارة خارجية الدول الإسلامية، المجتمع بفاس، في ماي 1979، وتحددت هذه الرئاسة منذ ذلك الوقت من طرف مؤتمري الطائف والكويت، رئاسة لجنة القدس سنة 1979 التي تأسست سنة 1975- والمنبثقة من المؤتمر الإسلامي السادس، الذي انعقد بجدّة- (5) شأنه في ذلك شأن بقية المطبعين، الذين كانوا يظهرون بوجوه الدعم والمساعدة، وفي جعبتهم خيانة فلسطين، والتفريط فيها للكيان الصهيوني كما فرّط فيها أوائل القوم.

هكذا إذا تُجَرُّ الدّول العربية الواحدة بعد الأخرى، الى مستنقع التطبيع الآسن، بالاستدراج الطّوعي أو الكرهي، وقدر الشعوب الغافلة بأدائها السلبي، تتخلى عن تعاطيها المخلّ بحقوقها، إذا كانت تريد مصلحتها في الحرّية والعزة، وبناء مستقبل مشرّف لأجيالها القادمة، أو أن تنحرف عن مسارها الثوري، وتتخلى عن استحقاقاتها، وتفوت في قضاياها، طالما انها باقية في مستنقعها تتصيد لقمة الذل والعيش بهوان، يريده لها أعداؤها الحقيقيون.

المراجع

1 – التطبيع: ترامب يعلن المغرب أحدث دولة عربية توافق على تطبيع العلاقات مع إسرائيل

 Bbc.news. arabic

2 – المغرب يطبع مع إسرائيل مقابل اعتراف واشنطن باحتلال الصحراء الغربيّة 

alittihad44.com

3 –اعترف بسيادتها على الصحراء الغربية.. ترامب يعلن اتفاق المغرب مع إسرائيل على التطبيع arabic-cnn-com.cdn.ampproject.org/v/s/arabic.cnn.com/amphtml/middle-east/article/2020/12

4 – العلاقات الاسرائيلية المغربية  – ويكيبيديا

5 – صفقة القرن: عندما استدعى الملك الحسن الثاني لجنة القدس إلى عقد دورتها الثامنة في نيويورك 1983

atlasabinfo.com/2020/07/1541.html?

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى