بكل جرأة يكتبها محمد عبد المؤمن / قصّة قصيرة : ” الثورجي الثري”

كتب محمد عبد المؤمن :

نزل من سيارته الفاخرة بعد أن فتح له السائق الخصوصي الباب الخلفي كان منهمكا في مكالمة هاتفية .

-اليوم كان عندي لقاء في الاذاعة الصباح وتوّ تلفزي في الليل باش نتحدث على  خطورة سياسة التقشف الي تدعولها حكومة المشيشي وباش ندخل وانقول كلام كبير . تبعني عاد وما تنساش تبرتاجي الفيديو تو اهبطوه لولاد .

يصمت ليستمع لما قاله مخاطبه.

-لا أكيد انت تعرف إليّ أنا مع الطبقة الضعيفة وباش نطالب بمراعاة ضعفاء الحال باش ميكونوش هوما الضحية.

 لا متخفافش تو نجبد على الثورة والفساد وكيف العادة تو انقول الي انا عندي ملفات ووثائق تو نجبدهم في الوقت المناسب. أي باي .

ينهي سريعا مكالمته على صوت مرافقه:

-البرنامج باش يبدا فيسع خلينا ندخلو. كيما وصيتك متسكتلوش افضحو وسخسخو وخليه كاراكوز غدوة في الفيسبوك.

هههه. تو نوريك فيه جاي مع نحنو.

يدخل مقر القناة  يتوجه إلى غرفة مخصصة للماكياج تعوّد عليها قبل  أي ظهور تلفزي.

-أيّا تحفونة  خرجني مزيان عاد منحبش حتى تراس في وجهي نعمّل عليك.

يبدأ البرنامج وشيئا فشيئا يحتد النقاش  .

-أنا ولد الشعب منّو واليه وسياسة الحكومة هذي باش تجوعنا وتعرينا وإتفقرنا ونحن لن نقبل ولن نرض ولن نوافق ولن نهادن وسنناضل  وسنتصدى لمؤامراتهم الدنيئة وندافع عن مصالح من انتخبنا . نحن لسنا طلاّب كراسي ولا مناصب ولم نحقق اي فائدة بل نحن مناضلون وسنبقى مناضلين إلى آخر رمق في حياتنا .

تنتهي الحصة وقبل أن يخرج من الأستوديو تبدأ المكالمات في التهاطل عليه .

-نوّرتنا عرفي والله الفيسبوك شاعل وشعبيتنا في التوب.

-ايه بردتلي على قلبي كيف مخليتلوش .باش يعرف علاش قادم .

-يلزمنا اجتماع نضالي الليلة  نتقابلو في بلاصة العادة  حضرتلك جوّك كيم تحب وتشتهى نخلوها صباحي .

-أي ولاخر شنوة جو الفيسبوك معاه؟

-تمرمد عرفي راك مسحتو جملة ونسفتو.

يطلق ضحكة عالية ويضرب على بطنه المنتفخ من مال الثورة ويعلق:

تحيا الثورة من غيرها اش كنا نعملو .

بينما الجماعة يناضلون في مكانهم المعهود حتى لم يعودو يفرقون بين الديك والحمار منفقين آلاف الدنانير كان الفيسبوك يشتعل بمعارك  وحرب كلامية بين أنصار المناضل الأول وأنصار المناضل الثاني  .

بينما كان المناضلان يعقدان الصفقات والتفاهمات ويضخمان من رصيدهما كان جماعة الفيسبوك يسب بعضهم بعضا ويخوّن بعضهم بعضا دفاعا عن المناضلين  الذين فقدوا وعيهم للتو .

يحيا النضال  في بلد النضال وتحيا الثورة في بلد الثورجيين  .

من الغد يستيقظ مناضلنا الهمام ويتوجه الى المقهى الذي يتقابل فيه مع شلة الهناء حيث يجلس بينهم ليرفع شعاراته في دعم الفقراء والمهمشين والمطحونين وهم يسبحون بحمده وينفخونه الى درجة انه يكاد ينفجر ويطير في الهواء.

بعد جلسته الصباحية والتي شحنته بمحبة الانصار المنافقين يتوجه الى اجتماع مهم ليواصل مسرحيته من دون ان ينسى القاء نظرة بين الفينة والاخرى على الفيسبوك لينظر الى ما كتب معجبوه ومحبوه ولينزل بعض العبارات حول الثورة ومحاربة الفساد .

هذه القصة ليست من وحي الخيال بل هي الواقع ذاته واي تشابه في الشخوص و”الجنوس” فهو مقصود مع سبق الاضمار والترصد.

نشر هذا المقال في الجرأة الأسبوعية:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى