بعد الترفيع في نسبة الفائدة .. الاقتصاد التونسي يدخل دائرة الخطر

منذ نحو السنة بدأت أسعار الفوائد البنكية في تونس ترتفع في شكل متسارع ، فخلال الأشهر القليلة الماضية قرر البنك المركزي التونسي الترفيع في نسبة المديرية ثلاث مرات و اخرها أمس، حيث قرر مجلس إدارة البنك المركزي الترفيع ب 1% في النسبة المديرية لتصبح 7,75% و بالتالي يكون المصرف المركزي رفع في هذه النسبة ب 2,5% في اقل من سنة و لكن ما معنى النسبة المديرية و لماذا رفع فيها المصرف المركزي و ما هي تداعياتها على الاقتصاد و على المواطن؟

سعر الفائدة هو أداة رئيسية للبنوك المركزية لضبط السياسة النقدية للبلاد، والمقصود هو تحديد “سعر الأموال”. فالفائدة هي عبارة عن تأمين لعدم رد الأموال إذا اقترضها شخص أو شركة ويتحدد هذا التأمين بنسبة الفائدة

تحدد البنوك المركزية سعر الفائدة الأساسية، وهو كلفة الاقتراض ما بين البنوك، وتقوم البنوك والمؤسسات المالية بتحديد سعر فائدة على القروض والمدخرات استنادا إلى سعر الفائدة الأساسية هذا

يرفع البنك المركزي الفائدة عندما ترتفع نسبة التضخم في الاقتصاد (زيادة أسعار السلع والخدمات) وبالتالي يجعل سعر الأموال غاليا فيتراجع الاقتراض للأشخاص والأعمال ويقل الإنفاق والطلب على الاستهلاك فينخفض التضخم.

لا يظهر تأثير التغير في سعر الفائدة على الفور، بل يحتاج إلى نحو عام قد يبدأ تأثيره في الظهور على الاقتصاد والأفراد. عند رفع سعر الفائدة يصبح الاقتراض مكلفا، فتخفض الأعمال استثماراتها ويقلل الأفراد من انفاقهم الاستهلاكي.

فمثلا يصبح قرض السيارة أو البيت أغلى أقساطا فيتردد الفرد في الشراء، ويصبح تمويل المشروعات أعلى كلفة فتقلل الأعمال الأجور والوظائف. والعكس صحيح عند خفض أسعار الفائدة، لكن الأموال الرخيصة لفترة طويلة قد تؤدي إلى فقاعة في الاقتصاد كلما تضخمت كان انهيارها أشد إيلاما.

رفع سعر الفائدة أو خفضه يتناسب عكسيا مع سعر السندات  التي تصدرها الشركات والدول للاقتراض من أسواق المال .

ومن التأثيرات غير المباشرة أن رفع الفائدة يؤدي إلى ارتفاع سعر صرف العملة . فعليا في تونس بمثال مبسط فان قرار الامس سيكون مفعوله مباشرة من الشهر القادم على جيوب المواطنين ب نقص في الدخل لمن له قرض بنكي فالاقتطاع الشهري سيرتفع بمعدل 50د شهريا و بالتالي كل هذه الزيادات في الرواتب ستتبخر و هذا متوقع لان صندوق النقد الدولي الموقع مع تونس كراس شروط لتمويل الميزانية لن يسمح بعجز جديد بميزانية الدولة و لا يسمح بنسبة تضخم ترتفع الى مستويات قياسية و هذا الترفيع الأخير في نسبة الفائدة هو محاولة تقنية لكبح جماح التضخم الذي يرتفع بجنون و متوقع ان يرتفع اكثر بعد قرار زيادة الأجور مع قلة العرض في السوق وشح السيولة في البنوك.

و لكن بيان البنك المركزي امس حمل مصيبة اكبر و لكن ممكن لا تؤثر مباشرة لا على المواطن و لا على الصناعي و لا على التاجر  وهي العجز الجاري لميزان المدفوعات الخارجية، ارتفع إلى حدود 11,2%من إجمالي الناتج المحلي خلال سنة 2018 و هذا يعني و انا لا اريد ان أكون متشائما ان الدولة دخلت في دائرة الخطر.

و يعني بكلمات ابسط ان المؤسسات العمومية مثل شركة الكهرباء او شركة تكرير النفط او ديوان الحبوب قد يصبحون غير قادرين عن الاستيراد و يدخلون في مرحلة العجز الدائم و تصبح هذه المواد مقننة و التزويد بها يصعب جدا لأنها ستشح من السوق و الأمثلة في العالم كثيرة على هذا فكل ما فاتت نسبة العجز 10% تدخل الدول في هذه الدوامة و السنوات الأخيرة شهدنا ذاك في مصر و أوكرانيا و غيرهما من الدول التي دخلت في مثل هذه الدوامة.

وللاشارة فان الخروج من هذه الدوامة ليس سهلا و يتطلب تضحيات صعبة جدا من الجميع ولكن من المؤكد ان قرار البنك المركزي هو قرار استباقي و جاء في الوقت المناسب لان مثل هذه القرارات من شانها ان تكبح التضخم المتوقع ان يرتفع بنسب كبيرة جدا خلال اشهر قليلة. و كذلك تفادي انزلاق الدينار لان القرار الاستباقي الموجع اهون من قرار متأخر يكون كارثي.

و بما ان المصائب لا تأتي الا بالجملة نزل تقرير ” فايتش رايتينق” المؤسسة الدولية المتخصصة في تقييم المخاطر المالية و البنكية ، على تونس مثل الصاعقة حيث نبه و بلغة فيها كثير من الحذر البنوك و المؤسسات المالية الأوروبية من التعامل مع المؤسسات التونسية و التدقيق في كل المعاملات المالية مع تونس و لا يرى مانع في قطع العلاقات مع البنوك التونسية للأسف على اثر ادراج تونس في القائمة السوداء للاتحاد الأوروبي في ما يخص تبييض الاموال و تمويل الإرهاب.

في ضل هذه الفوضى السياسية و هذه الغابة من الصراعات الحزبية لابد من الانتباه من الغول القادم الى وهو الشلل المالي و الاقتصادي التام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!