أمّةٌ في رجلٍ ذلك هو الشهيد محمد حسين بهشتي
بقلم: محمد الرصافي المقداد
هو قطعا رائدٌ من رواد الثّورة الإسلامية، ومهندسٌ لمؤسسات حكمها، من خلال ما قدّمه الإمام الخميني رضوان الله عليه في رؤيته لمعالم الحكومة في الإسلام، عالما جليلا، وثائرا ببصيرة الفقيه العارف، الذي أعطى مقودته لرجل آمن به مصلحا لعصره، فلازم نهجه واتبع مشروعه، منذ أن تعرّف عليه، إلى اليوم الذي اختاره الله شهيدا سعيدا مغدورا مظلوما، رضوان الله عليه.
السيّد محمد حسين بهشتي (24 أكتوبر 28 – 1928 جوان1981)، ولد الشهيد السعيدعام 1346 هـ في
مدينة اصفهان، وتلقى بدايات تعليمه بمدارس أصفهان، غير أنّ ميوله الدينية دفعت به للإنتساب إلى الحوزة العلمية بقم، فدرس فيها ستة أعوام من ( 1369 هـ ـ 1374هـ ) متمما مراحلها، وكان مهتما بدراسة الفلسفة، مولعا بنظرياتها، ما دفعه من جديد للعودة إلى مقاعد جامعة طهران، ليحصل منها على شهادة الدكتوراه في الفلسفة سنة (1384 هـ)
نشأ ثوريا صِرْفا، معارضا للنظام الشاهنشاهي، منذ أن درج واعيا في سني شبابه، فناصر الحركة الوطنية، التي قادها آية الله السيّد الكاشاني، والدكتور محمّد مصدّق – بإلقاء خطاب في مدينة إصفهان، تحدَّث فيه حول عدم قدرة الشعب الإيراني على تحمّل المطامع الاستعمارية، التي كانت تستهدف نهب ثرواته، واستمر على نهجه الثوري، فدعم انتفاضة ( 15 ) خرداد، التي قادها الإمام الخميني ضد الشاه سنة ( 1381 هـ )، بالتنسيق مع علماء واساتذة الحوزة الثوريين، قام بتأسيس ( جمعية الطلبة ) في مدينة قم المقدّسة، وعلى أثرها تمَّ إبعاده من قبل النظام إلى العاصمة طهران.
التحق بمسجد هامبورغ (المانيا) مهاجرا ليؤدّي تكليفه في توعية المؤمنين هناك وتقريب الفتوى وتقديم النصيحة لهم، وجمعهم على كلمة التقوى في ديار المهجر، فأدى رسالته كاملة وافية مستوفاة، إلى أن اقترب موعد عودة الإمام الخميني رضوان الله عليه إلى إيران، من آخر منفى له بباريس، فالتحق به ورافقه في رحلته، ليشدّ إزره ويشارك في ثورة عشرة الفجر المباركة(01/02/إلى 11/02/1979)، ويتحقق النصر على أيدي قوم سلمان المحمّدي، ويتحقق معه الوعد الإلهي بقيام هؤلاء اللاحقين بركب المسيرة المحمّدية في هذا الزمن.(1)
كان الشهيد بهشتي، يتسم باستقلالية الإرادة، واستباق الزمن دائماً، محبّاً للتجديد، مناهضاً للتقاليد البالية والموروثات السقيمة، شجاعاً لا يخشى المجابهة، ومن صفاته ايضا عدم التواكل، فحيثما كان يرى ضرورة عمل ما كان يؤدِّيه بلا تخوّف، فلو كان – على سبيل المثال – يرى ضرورة أن يكون إماماً لأحد المساجد لكان يسارع إليه، ويقوم بأداء جميع المهامّ المتعلّقة به، ولم تكن همَّته تقتصر على يومه، فالسيّد بهشتي كانت لديه على الدوام أفكار على المدى البعيد.
واتصف ايضا بالتعبُّد، فقد كان يؤدِّي صلاته بإخلاص تام، ومن خلال سلوكه، يتّضح أنّه كان يرمي إلى تطبيق الأحكام الشرعية بشكل دقيق، ومن سجاياه الأُخرى، ترغيبه وتشجيعه لجميع الأصدقاء على ممارسة النشاطات الجماعية، فكان يتميَّز بحرية التفكير، والتزام أُصول الحرية في التعامل مع آراء وانتقادات الآخرين.
وكذلك كان حليماً بكل معنى الكلمة، فلا يطفح كيلَه بسرعة، وكان واثقاً من نفسه، لا يشعر بالوهن في مجابهة المهامّ الكبرى، وكان أيضاً متأهِّباً لمواجهة أيّة مشكلة والتغلّب عليها، ومن البديهي أنّ مثل هذا الإنسان قادر على أن يكون مديراً ناجحاً .
من اهم نشاطاته ومواقفه:
قام بتأسيس مدرسة في قم اسمها ( الدين والعلم )، بالتعاون مع زملائه لغرض تثقيف الشباب بالثقافة الإسلامية الأصيلة، وإيجاد حركة ثقافية لإعداد الكوادر اللازمة، والتزم مسؤولية إدارة هذه المدرسة.
أوجد حركة ثورية طُلاَّبية عن طريق توثيق الاواصر بين الحوزة العلمية والجامعة، لأنّه كان يعتقد بأنّ الطلاّب الجامعين وطلبة الحوزة، يمكنهم التكاتف والتضامن التام على العمل، وفق الأُسُس التي دعا إليها الإسلام.
تأليف الكتب الإسلامية بأسلوب حديث، وفق أُسس العقيدة الإسلامية، تنسجم مع طبائع الجيل الجديد.
قام بالتنسيق مع العلماء الأعلام في الحوزة العلمية بمدينة قم المقدّسة، لغرض إعداد برنامج خاص لدراسة العلوم الإسلامية، وكان ثمرة ذلك تأسيس مدرسة (حقّاني )، أو ( المُنتظرية ) نسبة إلى الإمام المنتظر ( عليه السلام )، كنموذج لهذا المشروع.
ايفاده إلى مدينة هامبورغ في ألمانيا لادارة شؤون مسجدها، الذي أسَّسه المرجع الديني آية الله حسين الطباطبائي البروجردي، حيث قام بتأسيس الاتحاد الإسلامي للطلبة الإيرانيين هناك، وبدأ بنشر الإسلام الثوري في أوروبا وأميركا.
المساهمة الفعَّالة بتشكيل رابطة العلماء المجاهدين في إيران، التي قادت الثورة الإسلامية ضد نظام الشاه، حيث قامت هذه الرابطة بالتظاهرات والنشاطات السياسية ضدَّ الحكم الشاهنشاهي، حتّى تحقّق النصر الإلهي.
وعلى أثر ذلك الإنتصار الباهر، أقام الإمام الخميني نظرية ولاية الفقيه كنظام حكم إسلامي، فساهم الشهيد بهشتي بشكل فعال في بناء مؤسساته، ووضع قوانينه، وفق مشورة وتوجيه الإمام رضوان الله عليه، لذلك فليس عجبا أن يُلقّب هذا الرجل الفذ، بمهندس الثورة والدستور والدولة، وكانت نجاحاته مثار حنق وحقد أعداء الإسلام في الدّاخل والخارج، وخصوصا أمريكا التي استهدفها هذا المدّ الإيماني الجارف، فسفّه أحلامها الإستغلالية في إيران وقطع دابرها من هناك، فكادوا له وللنظام الإسلامي الفتيّ، بتفجير مقر حزب جمهوري إسلامي، بواسطة عملاء ادّعوا الثورية، لكنهم خرجوا منها عمليا، بجرائمهم المرتكبة بحق رموز وقادة الثورة الحقيقيين، وأدّى التفجير إلى استشهاد 73 شخصية بارزة، في مقدّمتها الدكتور محمد حسين بهشتي رضوان الله عليه.
حادثة بحجم الكارثة ابتلي بها النظام الاسلامي في أول عهده، أثّرت فيه وأحزنت أنصاره أيّما حزن، لكنها عوض أن تحبطهم وتفشل مشروعهم السياسي، زادتهم قوة واصرارا على مواصلة الطريق نحو العزة والقدرة على مجابهة جميع الصعاب والعقبات، وثبت ذلك من خلال مسيرة هذا الشعب المؤمن الأبيّ، ولو وقعت تلك المصيبة على نظام فتيّ آخر لانتهى تماما، وهنا تجلّت عناية الله ورحمته بقوم سلمان، فإذا هو معهم على مدى تلك المحن يكلؤهم برعايته، ويشد من عزائمهم تحفيزا لجهودهم ونواياهم الصادقة.
وجّه الإمام الخميني رضوان الله عليه خطابا للشعب الإيراني، مباشرة بعد أن بلغه خبر الفاجعة – معلنا الحداد العامّ في البلاد – قال فيه بشأن الشهيد آية الله بهشتي:
(إن هذه الحادثة المتوقعة (استشهاد السيد بهشتي ومساعديه)، كانت بالطبع حادثة أليمة، أخذت معها أشخاصاً رهنوا أنفسهم لخدمة وطنهم، وكانوا أشخاصاً أبراراً على حد معرفتي بهم، وكانوا أشخاصاً ملتزمين، وعلى رأسهم المرحوم الشهيد بهشتي، لقد كنت أعرفه منذ عشرين عاماً أو أكثر بقليل، وكنت على علم بدرجات فضله وفكره والتزامه، وتأثيره في الثورة، ولقد كان الشهيد هدفاً للأجانب وأعوانهم طيلة حياته،)(2)
وفي مقابلة للإمام الخميني مع مجلة الثورة قال:
(إن شعبنا المسلم شهد تضحيات هذا الشهيد طيلة الثورة ولهذا هتف بعد استشهاده: يا بهشتي، كتبت بدمك: الاستقلال، الحرية، الجمهورية الإسلامية.. إن حزم وإدارة الشهيد البهشتي قد أثارت غضب الأعداء وبعض الجاهلين، إلى درجة أنهم كانوا يحاولون إخراجه من الساحة، وبالنتيجة أثبت عملاء أمريكا الأذلاء، بتفجير المكتب المركزي للحزب الجمهوري الإسلامي، وقتل 73 شخصاً من أفضل أصحاب الإمام، أنهم يثبتون قول الإمام: (إن شعبنا لا يخاف من الاغتيال، واغتيال الشخصيات قد رفع قدرة المقاومة في الصفوف المتلاحمة للشعب.)(3)
على أثر الفاجعة الأليمة، أعلن الإمام الخميني الحداد العام في إيران، وأصدر بياناً تأبينيّاً جاء فيه: (فقد الشعب الإيراني في هذه الفاجعة الكبرى ( 72 ) بريئاً، ويعتز الشعب الإيراني بأن يقدّم هؤلاء أنفسهم نذوراً لخدمة الإسلام والمسلمين.) وشيع السيّد بهشتي ( قدس سره ) تشييعاً مهيباً في طهران، مع باقي شهداء حادثة تفجير مقر حزب جمهوري إسلامي الأليمة، ثمّ ووري الثرى مع صحبه الشهداء رضوان الله عليهم أجمعين، بمقبرة (جنّة الزهراء) جنوب العاصمة. الرحمة والرضوان والخلود لشهداء الأمة الأبرار، والخزي والعار وسوء المصير لأعدائهم، إنّا لله وإنّا اليه راجعون.
المصادر
1 – صحيح البخاري كتاب تفسير القرآن باب تفسير سورة الجمعة ج 6ص 151حديث 4897 / مسلم كتاب فضائل الصحابة باب فضل فارس ج7ص191ح2546
2 – نقلا عن صحيفة الامام ج14ص404
الارهاب الامريكي اغتال خيرة قادة الثورة الاسلامية منهم الشهيد آية الله بهشتي و72 شخصية قيادية
http://www.taghribnews.com/ar/report/466829
3 – مقابلة أجريت مع الامام الخميني رضوان الله عليه في شهر نيسان عام 1981م نقلاً عن مجلة رسالة الثورة