في زوايا خفية من العاصمة تونس، وبعيدًا عن عدسات الكاميرات، تدور معركة يومية من أجل البقاء يخوضها مهاجرو إفريقيا جنوب الصحراء. شباب تركوا أوطانهم تحت وطأة الفقر أو العنف، ليجدوا أنفسهم يصارعون واقعا لا يقل قسوة.
أحمد وعلي، مهاجران من غينيا، يعملان في محطة لغسل السيارات في ظروف قاسية. يقف أحمد وهو يحاول عبثًا السيطرة على مسدس ماء مثقوب، بينما ينهمر الماء على قميصه المبتل. لا يشتكي، فكل ما يهمه هو تأمين خمسة دولارات تُمنح له في نهاية اليوم… إذا لم يُطلب منه المغادرة قبل الوقت.
“نحتاج للعمل لندفع الإيجار ونأكل”، يقول أحمد، وهو يشفط الماء من ملابسه بيده المرتجفة، وكأنّه يحاول إخراج الألم من داخله. يعيش الشابان في سكن ضيق مع خمسة مهاجرين آخرين في حي الزهور، في قلب العاصمة.
مدير المحطة، وهو رجل خمسيني، يقول إن المهاجرين لا يصمدون طويلاً: “إما يُعتقلون أو يرحلون، والمعيشة صعبة”. تفاقمت الأزمة بعد حملة 2023 التي شنّتها السلطات ضد المهاجرين غير النظاميين، مما دفع الباقين للفرار نحو الضواحي والحقول والقرى النائية.
مهاجرون يبحثون عن بصيص أمل
بعيدًا عن العاصمة، في منطقة “البحر الأزرق” بضاحية المرسى، يعمل كريم، شاب من الكاميرون، في جمع قوارير البلاستيك. يتقاضى 30 سنتًا عن كل كغ، ويأمل أن يدّخر ما يكفي ليعيد محاولة عبور البحر.
“جربت سابقًا وتم إيقافي من خفر السواحل”، يقول كريم، قبل أن يضيف بحسرة: “أُرسلت إلى الجنوب، وعدت سرًا، وسأحاول مجددًا”.
النساء لسن أفضل حالًا، إذ تلجأ الكثير منهن للتسول أو بيع المناديل في مفترقات الطرق. أما من لم يجد مأوى أو عملًا، فقد اختار العودة إلى وطنه، كما فعل مهاجر غيني وزوجته مع طفلتهما الرضيعة من مطار تونس قرطاج.
هكذا تتكثف المأساة يوميًا: قصة بشر يطاردون الأمل فوق أنقاض اليأس.