المستشفيات في تونس: “اذا معندكش شكون تتمرمد” …أطباء القطاع الخاص والمصحات المهنة النبيلة تحولت إلى تجارة
تونس – الجرأة الأسبوعية :
ترسخت بعد الثورة عقليات التسيب والفوضى واللامبالاة وصارت مكرسة في مجتمعنا وكذلك عقلية رزق “البيليك” وعدم دفع مستحقات الدولة ليس محرما وليست سرقة وتحيلا وأيضا المحسوبية والتقاعس في العمل .هذه العقلية متفشية في القطاع الصحي بشكل كبير بل بات المنطق المتداول في المجتمع اذا لم يكن ” عندك شكون” في المستشفيات العمومية “تتمرمد” وهذا المنطق ليس مبالغة بل هو الواقع .هذا التسيب في المستشفيات العمومية وايضا في مراكز الصحة الاساسية والمستوصفات تقابله خدمات افضل في المصحات ولدى الأطباء الخواص لكن كل شيء بثمنه حيث ان الاسعار من نار تنضاف اليها سلوكيات اخرى وهي الاستغلال والايهام بحاجة المريض الى تحالبل وصور وغيرها لمزيد تسمين افتورة في حين ان حالته في اغلب الاحيان لا تستحق كل ذلك.
اقسام الاستعجالي
تصنف أقسام الاستعجالي بالمستشفيات العمومية ان كانت كبرى او جهوية ومحلية بكونها الأكثر ترديا فالأغلب أن الأطباء الذين يداومون من المتربصين أي وكأن اختصاص الاستعجالي بات تجارب وتعلما على المرضى لينضاف الى هذا الاكتظاظ الكبير والفوضى وتوتر العلاقة بين الاطار الطبي والمرضى
حالة التردي في المستشفيات بجميع أصنافها ان كانت جهوية أم جامعية وأيضا مراكز الصحة الأساسية والمستوصفات أدت لفقدان المواطن للثقة في القطاع الصحي العمومي.
لكن هنا لا بد من التركيز على امر هام وهو ان هذا التردي ليس المتسبب فيه الطبيب او الاطار الطبي اساسا بل هناك عوامل موضوعية منها ضعف الامكانيات وتهميش القطاع ورغم ان الامور تحست بعض الشيئ بعد ازمة كورونا الا ان الاصلاح المطلوب مازال بعيد المنال.
القطاع الخاص
في مقابل القطاع الصحي العمومي هذا لا يمكن انكار أن الاوضاع في المصحات الخاصة أفضل مما هي في المستشفيات العمومية من ناحية التجهيزات والمعدات وتوفر الاطار الطبي وشبه الطبي وأيضا الخدمات لكن هذا لا ينفي وجود مشاكل أخرى متعلقة بالعقلية التي تسّير بها المصحات وهي عقلة ربحية صرفة حتى لم يعد مبالغا فيه القول أن المصحات تحولت الى نزل خمسة نجوم لا يقدر على تكلفة العلاج فيها الا الميسورون أو من أثقل كاهله بالديون ليتلقى العلاج.
بالنسبة للأدوية فالدولة تقوم سنويا بدعم هذا القطاع بقرابة 1500 مليون دينار جلها للأدوية المستوردة التي بقيت نوعا ما في المتناول لبعضها أما الأنواع الأخرى التي تصنع من شركات خاصة فأسعارها في تصاعد مستمر وهذا كله يزيد من الأعباء على صندوق الدعم لكن الاشكال دائما ما يطرح من ناحية تقلص الدعم لكن ليس الأجدر والأولى طرح مسألة ترشيد الأدوية التي تشهد اسرافا كبيرا عوض الذهاب للحلول السهلة أي المس مباشرة من منظومة الدعم .وعندما نتحدث عن الترشيد لا يجب أن نهمل معضلة أخرى وهي تهريب الأدوية وأيضا الحمل الذي تتكبده الدولة بسبب الأوضاع المتردية في ليبيا والتي أدت الى أكثر من مليون مقيم أجنبي مع العلم أن الرقم غير دقيق وقد يكون أكثر من هذا بكثير.
لا يمكن هنا ان ننسى الأطباء الخواص فالكثير منهم ان لم نقل اغلبهم حولوا هذه الوظيفة والمهنة السامية والنبيلة الى عقلية ربحية صرفة وهذا نعاينه اولا في اسعار العلاج فكل يفرض التسعيرة التي يريدها اما ما حدده صندوق التأمين على المرض “الكنام” فهو في عالم الاحلام .
هذه الظاهرة تبرز اكثر في اطباء الاختصاص فمعلوم العلاج اليوم بات يناطح 70 دينارا واكثر ور مجال للنقاش ادفع وان لزم الامر مسبقا .
السؤال هنا: هل فعلا الطب مازالت مهنة نبيلة وانسانية ام تحولت هي الاخرى الى بزنس وتجارة بصحة الناس واستغلال لهم ؟
ما نعانيه اليوم في مجتمعنا ان كان في قطاع الصحة او غيرها هو تدهور لمنظومة القيم والاخلاق وغلبة الماديات وحب الذات على حساب القيم النبيلة وتقديم الجانب الانساني على عقلية الطمع والانانية.
نشر المقال في الجرأة الأسبوعية الرابط في الموقع