كواليس السياسة / كيف دارت النقاشات داخل غرف النهضة حول قيس سعيد والقروي و”قلب تونس”
كنا طرحنا في وقت سابق كون حركة النهضة اضطرت لتغيير استراتيجيتها وخياراتها بعد ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية في جولتها الاولى.
هذه النتائج فاجأتها من ناحية واحدة لكن تأثير هذه المفاجأة كان كبيرا ونقصد هنا تقدم نبيل القروي على مرشحها عبد الفتاح مورو.
النهضة هنا لم تدخل الانتخابات الرئاسية بشكل اعتباطي بل قدرت الامر والوضع وكانت تحبذ البحث عن مرشح من خارجها تقوم بدعمه وهو ما سماه رئيسها بالعصفور النادر وكان المقصود حينها يوسف الشاهد.
هذا الموقف كان شيخ الحركة راشد الغنوشي مصرا عليه لكن جراء ضغوط لم يستطع مواجهتها هذه المرة اضطر للتنازل لكن جزئيا وقبل بترشيح شخصية نهضوية لكن بشرط ان يختارها هو.
ما حصل انه اعتمد على نتائج سبر آراء قدمت له وكانت تضمن له كون عبد الفتاح مورو سيكون في المرتبة الثانية بعد نبيل القروي.
أيام قليلة غيرت المعادلة
الى وقت وجيز قبل تقديم ترشح مورو كان المشهد واضحا لكن فجأة وتحديدا قبل اربعة ايام من تقديم الترشح تغيرت نتائج سبر الآراء وانتقل قيس سعيد الى المرتبة الأولى وهو ما وصل النهضة وصارت شبه متأكدة منه لكن الخطأ الذي حصل هو ان مورو وضع في المرتبة الثانية قبل نبيل القروي وعلى هذا وضعت النهضة برنامجها شبه واثقة كون الدور الثاني سيكون لها وبالإمكان قلب المعادلة او على الاقل الاطمئنان كون الوقت مازال ويمكن العمل بشكل جديد لزيادة حظوظ مورو.
المفاجأة الاولى التي حصلت بمجرد غلق صناديق الاقتراع ان اخبار تروج كون القروي هو من احتل المرتبة الثانية لا مورو ورغم ذلك فسبر الآراء الذي اعتمدت عليه لم يؤكد لها الامر لذلك حصل ارتباك كبير وصل حد الصدمة .
في النهاية فتح النقاش بين القيادات وكان القرار الاعتراف بالنتيجة وعدم الطعن فيها لان هناك من ينتظر مثل هذا التحرك لتأويله والتصعيد ضد الحركة واتهامها كونها ترفض خيار الصندوق ولا تقبل بالديمقراطية الا ان كانت لصالحها.
الهجوم على الغنوشي
هذه النتيجة لم تقف تبعاتها هنا بل امتدت الى تحميل الغنوشي أي رئيس الحركة مسؤوليتها وان كان الاتهام جاء مباشرة من زبير الشهودي مدير مكتب الشيخ سابقا ومحمد بن سالم وهو من قيادات الصف الاول في الحركة الا ان اسماء كثيرة كان لها نفس الموقف بعضها اعلنه وآخرون اضمروه.
بعد تجاوز اثر الصدمة الاولى كان لا بد من تحديد مواقف في مسائل عدة لكن هذه المرة هناك ضغط جديد لم يكن موجودا يمارس على الحركة وهو ضغط الناخبين أي من كانت تسميهم النهضة خزانها الانتخابي الذي تخلى جزء منه عنها في وقت حساس.
أول ما طرح من مسائل هو : من ستدعم الحركة القروي ام قيس سعيد؟
براغماتيا فان الخيار كان لصالح نبيل القروي فهو شخصية نفعية ويمكن التفاوض معها والمقصود في السلطة التشريعية ان كان هناك تقارب بين قلب تونس والنهضة في عدد المقاعد أي تحالف جديد كما حصل مع ندداء تونس.
لكن النهضة هنا اخذت امرا ومعطى بعين الاعتبار ومن خلال تجربة سابقة وهو ان قواعدها لن تلتزم بقرارها ولن تدعم القروي وستتجه صوب قيس سعيد كما حصل في انتخابات 2014 عندما صوت جل النهضويين للمنصف المرزوقي .
الامر الثاني الذي كانت تخشاه النهضة لو اعلنت دعمها لنبيل القروي هو تأثيرات ذلك في الانتخابات التشريعية وفقدان جزء من ناخبيها لفائدة قائمات احزاب اخرى او مستقلين بما في ذلك التيار الديمقراطي .
من هنا كان الخيار ثم القرار بإعلان دعم قيس سعيد ارضاء للقواعد وتماشيا مع الوضع الجديد والواقع الذي فر ض عليها شروطه.
الانتخابات التشريعية وما بعدها
هذا الملف صار هو الرئيسي عند النهضة فمن ناحية هي لا تستطيع تحديد النتيجة بشكل قاطع ومن ناحية اخرى فهي تخشى حصول مفاجأة جديدة واكثر ما يخيفها كأحزاب كثيرة هو صعود المستقلين ما يعني مجلسا فسيفسائيا لن تستطيع ترويضه بمعنى ايجاد صيغة تفاهم مع كتلة كبيرة فالمستقلون حتى لو ارادة تكوين كتلة فهذا صعب وسيأخذ وقتا طويلا وايضا فان نوابها لن يتسموا بالانضباط وهذا طبيعي فهم ليسوا متحزبين.
محمد عبد المؤمن