فضيحة : من المستفيد من عدم اصدار الأمر المنظم للصندوق العام للتعويض منذ 50 سنة ؟

هناك مسائل وملفات نتعامل  معها  صحفيا بتلقائية على اساس انها تدخل ضمن السيستام وانها محكومة بالنظام والقانون لكن احيانا نتفاجأ كون هذا المضمون هو في حد ذاته قائم على الاخلالات ان لم نقل تجاوزات.

من ذلك ملف الصندوق العام للتعويض او ما يعرف بمنظومة الدعم وخاصة للمواد الغذائية الاستهلاكية الاساسية او الادوية.

لعل البعض يتصور كوننا نمزح او نبالغ ان قلنا ان صندوق الدعم احدث بمقتضى امر علي صدر سنة 1945 ليتم فيما بعد تعويضه بالفصل 3 من القانون عدد 26 لسنة 1970 ولكن دون اصدار الامر المنظم له اي رغم مرور 50 سنة. نصف قرن لم يصدر بعد.

هذه حقائق وليست مبالغات او تجن لذلك “فالجرأة  نيوز” يفتح ملف صندوق الدعم

 

مرصد الشفافية يتحرك

 

توجه يوم الخميس 30 افريل 2020 مرصد الشفافية والحوكمة الرشيدة بمطلب نفاذ الى المعلومة الى وزير التجارة بخصوص الصندوق العام للتعويض. ترجع سياسة دعم المواد الأساسية إلى أربعينيات القرن الماضي، حيث احدث صندوق الدعم بمقتضى الأمر العلي بتاريخ 28 جوان 1945.

حلال سنة 1970، تم احداث الصندوق العام للتعويض بمقتضى الفصل 3 من القانون عدد 26 بتاريخ 29 ماي 1970 الذي نص بوضوح على ضرورة اصدار امر لتنظيم الصندوق. الغريب في الامر ان ذاك الامر لم يصدر الى حد الان منذ سنة 1970 أي منذ 50 سنة.  هذا وقد تم إدراج الصندوق العام للتعويض في صيغة حساب خاص في الخزينة بمقتضى القانون عدد 66 بتاريخ 31 ديسمبر 1970 المتعلق بقانون المالية لسنة 1971.

المافيات تستحوذ على العلف المدعم وتبيعه في السوق السوداء

 

شمل دعم المواد الأساسية منذ إحداث الصندوق العام للتعويض العديد من المواد التي تعتبر في سبعينات القرن الماضي ضرورية لتحسين جودة الحياة وضمان مستوى غذائي أدنى للمواطن (مشتقات الحبوب، الحليب، الزيت النباتي، الصابون…).

 

كما تم ضبط عناصر كلفة بعض المواد بهدف الضغط على أسعارها وجعلها في مستويات مقبولة مثل كلفة نقل بعض المواد الفلاحية والأسمدة الكيميائية.

 

ويتم تعديل أسعار البيع للعموم لتغطية ارتفاع تكاليف إنتاج المواد المدعمة جزئيا مع الأخذ بعين الاعتبار لمستوى الدخل ومراعاة الإمكانات التي يمكن تعبئتها لتغطية كلفة الدعم.

 

دائرة المحاسبات تدين

 

هذا وقد سبق لدائرة المحاسبات ان انجزت خلال سنة 2016 مهمة رقابية بخصوص منظومة دعم المواد الاساسية افضت الى وجود اخلالات خطيرة في حق المال العام ترقى الى مستوى الجنايات، علما ان دائرة المحاسبات سبق لها ان راقبت الصندوق العام للتعويض خلال سنة 2003.

 

لم تتمّ ترجمة توجّهات سياسة دعم المواد الأساسية في إطار خطة شاملة تضبط الأهداف المنتظرة بصفة دقيقة والوسائل والآليات الضرورية لبلوغ هذه الأهداف في آجال محدّدة.

 

واتّسم تنفيذ الإصلاحات المقترحة بعدم التفعيل ممّا أدّى إلى استمرار نفس الإشكاليات دون التوفّق إلى اتّخاذ الإجراءات الملائمة في شأنها على غرار تواصل اختلاف مقاييس تعيير الحبوب المورّدة عند الشراء والبيع.

 

ولم تتولّ السلط العمومية اتّخاذ الإجراءات الكفيلة بتحقيق توجّهات النهوض بالإنتاج المحلي من الحبوب والزيت النباتي والسكر.

 

واتّسم تحديد الفئة المستهدفة بالدّعم بعدم الوضوح في ظل النظام الحالي لتعويض المواد الأساسية الذي ينبني على توجيه الدّعم لفائدة كل الفئات الاجتماعية دون حصره لفائدة مستحقّيه.

 

ولم تتولّ وحدة تعويض المواد الأساسية إلى موفى أكتوبر 2014 القيام بأيّة مهمّة تتعلّق بإعداد الدراسات أو التخطيط أو التقييم في مجال الدّعم.

 

لم يبلغ مستوى الإنتاج الوطني من الحبوب والزيت النباتي والسكر الأهداف المرسومة بما يمكّن من التّقليص في التوريد نظرا لكلفته المرتفعة. وقد أدّت هذه الوضعيّة إلى ارتفاع المبالغ المحمولة على اعتمادات الدّعم  مع اللجوء أكثر إلى التوريد لتغطية الارتفاع المتواصل في طلب المواد المدعّمة بالإضافة إلى ارتفاع أسعارها بالأسواق العالمية وارتفاع خسائر سعر الصّرف جرّاء انخفاض قيمة الدينار.

 

التوريد وشبهات الفساد

 

وسجّل توريد المواد الأساسية المدعّمة ضعف مشاركة المزوّدين في طلبات العروض والذي يرجع أساسا إلى غياب التحيين الدوري لقائمات هؤلاء المزوّدين ولكراسات الشروط المتعلّقة بالتوريد لملاءمتها مع خصوصيّات الجودة المتوفّرة بالسوق العالمية نتيجة لاستشراء الفساد وقد كبد ذلك الخزينة العامة خسائر كبيرة. كما انعكس الاختلاف في تقييم عناصر الجودة بين الدواوين والمهنيّين وشركات المراقبة على الفارق بين أسعار البيع والشراء وعلى كلفة الدّعم عموما.

وحال ضعف طاقة الخزن والنقص في تهيئة الموانئ التونسية دون الاستفادة من أسعار تنافسية عبر شراء شحنات ذات سعة كبيرة والاستفادة من الانخفاضات الظرفية التي تشهدها أحيانا أسعار المواد المدعّمة بالسوق العالمية.

 

وبالإضافة إلى ارتفاع اعتمادات التعويض المرسّمة بميزانية الوزارة المكلّفة بالتجارة والتي بلغت 1.450 م.د في موفى 2013، تحمّلت الدواوين تكاليف إضافية بعنوان التصرّف السيء في المواد المدعّمة ناتجة بالأساس عن سياساتها التجارية والمالية على غرار سياسة البيع الآجل التي حمّلت ديوان الحبوب والديوان الوطني للزيت سنويا ما قدره على التوالي 3 م.د و0,7 م.د بعنوان الإسقاط التجاري.

 

لا يتوفر لدى الدواوين في ظلّ المنظومة الحالية لرقابة المواد المدعّمة الآليات الضرورية للتأكّد من المخزونات الفعليّة من هذه المواد لدى المتدخّلين الخواص حيث تعتمد الدواوين ووحدة تعويض المواد الأساسية غالبا نظام التصريح ممّا لا يضمن حماية مصالحها والتثبّت من استعمال المواد المدعّمة في الأغراض المخصّصة لها دون الحديث عن المواد الاساسية المدعومة المهربة خارج الحدود.

ونظرا للتجاوزات الخطيرة الواردة بتقرير دائرة المحاسبات عدد 29 لسنة 2016 يعمل خبراء مرصد الشفافية والحوكمة الرشيدة على قدم وساق على حصر الجرائم الواردة  بذاك التقرير بغاية تقديمها في الايام القليلة القادمة الى القطب القضائي الاقتصادي والمالي، علما ان ما نهب دون رقيب او حسيب في اطار دعم المواد الاساسية يقدر على مر السنين بعشرات مليارات الدينارات.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى