على غرار ما حصل في تونس: سجال في العراق بين الاسلاميين والحداثيين على هوية الدولة

تدور في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي منذ أيام معركة شرسة بين نائب في البرلمان العراقي ومستشارة لرئيس الوزراء، تعكس التنافس الحاد بين الحركة المدنية والإسلام السياسي في هذا البلد.

المدنية مقابل الإسلام السياسي

منذ العام 2011، بالتزامن مع موجة الربيع العربي، تشكلت في ساحات الاحتجاج العراقية، حركة أطلقت على نفسها “المدنية”، موجهة انتقادات للنهج الذي اتبعته أحزاب الإسلام السياسي منذ العام 2003 في البلاد، وما جرّه من انهيار على مختلف مؤسسات الدولة.

ويضع المراقبون هذا الصراع في سياق الجدل بين العلمانية والدين، والأدوار السياسية لكل منهما. وشارك المدنيون في الانتخابات عبر قوائم خالصة أو تحالفوا مع أطراف سياسية مختلفة، بعضها إسلامي، لكنهم لم يحققوا حضوراً كبيراً في البرلمان العراقي خلال الدورة الأخيرة، ما دفعهم إلى اتهام الأحزاب الإسلامية بتزوير نتائج الاقتراع.

ومع ذلك، تعدّ الأصوات المدنية في البرلمان العراقي، من بين الأعلى حالياً، إذ تواصل توجيه الانتقادات لأداء الأحزاب الدينية. وبينما يقول الساسة المدنيون إن الأحزاب الإسلامية مسؤولة عن الفساد المالي والإداري وتخريب مؤسسات الدولة، يردّ أعضاء في هذه الأحزاب بالقول إن المدنيين يدعون إلى الانحلال ونشر الرذيلة.

المدنيون متهمون بترويج العربدة

آخر المعارك بين الإسلاميين والمدنيين، اندلعت قبل أيام، عندما شنت حنان الفتلاوي، مستشارة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي لشؤون المرأة، وتنحدر من خلفية دينية، هجوماً لاذعاً على الحركة المدنية في العراق، متهمة إياها بترويج “السكر والعربدة”. وقالت الفتلاوي “المدنيون لم يحققوا إنجازاً سياسياً أو اجتماعياً، وكل ما فعلوه هو إطلاق تصريحات نارية”، وشككت في وقوف المدنيين خلف حركة الاحتجاجات ضد الفساد وسوء الخدمات خلال الأعوام الماضية في العراق، مشيرة إلى أن “الاحتجاجات كانت شعبية، وأن المدنيين حاولوا توظيفها لصالحهم”.

وتابعت أن “الحركات المدنية، لو كانت لديها ثقة بنفسها وبجمهورها، لما دخلت تحت مظلة إسلامية”، في إشارة الى تحالف المدنيين مع التيار الذي يقوده رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، متهمة المدنيين بـ”ركوب الموجة”، وقالت إن “المدنيين لم ينجحوا في دعم تشريع قانون واحد تحت قبة البرلمان”، مشيرة إلى أن “المدنيين يروجون للسكر والعربدة، ولا يهتمون بحقوق الشعب”.

وسبق للفتلاوي أن أطلقت تصريحات متشددة أثارت الجدل، لا سيما عندما أعلنت أن قتل أي شخص شيعي بسبب دوافع طائفية، يستدعي بالضرورة قتل شخص سني للأسباب نفسها.

نائب يتهم الفتلاوي بالدعارة

جاء الرد، من النائب المدني المثير للجدل في البرلمان العراقي فائق الشيخ علي الذي اتهم الفتلاوي بإدارة شبكات للدعارة في بيروت، وقال إن مستشارة عبد المهدي تريد دولة مدنية “يديرها الحجاج”، في إشارة إلى رجال الدين، ووصف الشيخ علي الفتلاوي بـ”الساقطة”، وقال إنها “مستمرة في الشتيمة والإساءة والانتقاص بنفسها وعن طريق أُجرائها المرتزقة، وبتوجيه وحماية خارجية”.

وقوبلت تصريحات الشيخ علي ضدّ الفتلاوي برفض سياسي واسع، كما حذرت قبيلتها من “عواقب وخيمة”. وقال نواب ومدونون إن هذه التصريحات “لا تليق” بنائب في البرلمان، وقالت النائب آلا طالباني إن زميلتها السابقة في البرلمان حنان الفتلاوي “شجاعة”، داعية إياها إلى المضي في عملها.

القبيلة تتدخل

وقالت قبيلة “آل فتلة”، التي تنتمي إليها مستشارة عبد المهدي، “قرأنا وبشكل مؤسف ما كتبه أحد النواب في صفحته الشخصية وتناوله بكلام بذيء شرف المرأة العراقية”، وأضافت “لن نسكت ولن نسمح بمرور التعدي على شرف العراقيات بهذه الطريقة الفجة”. وطالبت القبيلة مجلس النواب العراقي بـ”أخذ موقف يحفظ للمؤسسة احترامها للمرأة وهيبتها”، مشيرة إلى أنها ستتبع “جميع الإجراءات القانونية والعشائرية تجاه ذلك النائب مدعي المدنية”.

وطالب زعيم القبيلة “شباب آل فتلة الى ضبط النفس حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود”، داعياً الشيخ علي إلى “الاعتذار للمرأة العراقية وإلا ستكون العواقب وخيمة”.

ورداً على الموقف العشائري، قال الشيخ علي ملمحا إن “العشيرة غيرة ونخوة وحمية وإيثار وكرم وبطولة، ولم يحصل في تاريخ العشيرة أن حكمها أحد عبيدها الأذلاء”.

وبشأن الساسة الذين ساندوا الفتلاوي، قال الشيخ علي “حينما تكشف سائر رذائلهم، في وقت مبكر جداً، وتحذر العراقيين والعالم منهم، وتضربهم بالصميم (مالياً وأخلاقياً ودينياً)، فمن المؤكد أنهم يتربصون بك ويشغلون ضدك كل أجهزتهم الإعلامية والبشرية المتربية على أياديهم”.

“ذيول إيران”

وتابع الشيخ علي مخاطباً جمهوره بشأن الجهات التي تهاجمه “أصبح لزاماً عليَ مصارحتكم، لقد تتبعت المحطات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي والأشخاص، فوجدتهم عن بكرة أبيهم ذيولاً لإيران”، وأضاف “اليوم وصلني تهديد من أحدهم، إنهم بصدد (فبركة) فيلم جنسي عني”. وتأتي هذه المعركة في وقت تسجل الحركات الإسلامية المسلحة تحدياً رئيسياً للعراق، إذ تعتمد على دعم طهران لترسيخ نفوذها في مؤسسات الدولة.

ويقول المدنيون إن الأحزاب الدينية في العراق تعتمد على الرعب الذي تثيره الحركات الإسلامية المسلحة للهيمنة على البلاد، وزجها في نزاعات إقليمية، خدمة لأجندات خارجية، بينما تقول الأحزاب الإسلامية إن الحركة المدنية تسعى إلى تدمير الهوية الشيعية للعراق، وبناء علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة وحلفائها على حساب إيران.

المصدر: أندبندنت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى