عدنان منصر: النهضة مارست خديعة كبرى و ما يثير القرف هو الاحتقار الذي يعامل به الأبناء
كتب عدنان منصر معلقا على الصفقة التي تمت بين النهضة وقلب تونس في البرلمان والتي ادت لتولي الغنوشي رئاسته وستنعكس على الحكومة الجديدة بكون ما حصل خديعة كبرى حيث ان الحركة كانت تخوض مسارين للتفاوض واحد معلن وآخر مخفي .
مضيفا ان ما يثير القرف هو درجة الاحتقار العالية التي يعامل بها البناء في اشارة الى قواعد النهضة.
وقال منصر في تدوينته:
زمن الأمانة، وزمن الخديعة
ما حصل البارحة من تحالفات في انتخابات المجلس، هو بمفهوم السياسة التقليدية أمر متوقع، ومعقول. يبقى أن ليس كل متوقع ومعقول مقبولا. لماذا لا يبدو ما حصل مقبولا؟ لأنه يقوم ببساطة على الخديعة. المطلعون وحدهم كانوا يعرفون أن هناك مساران لمفاوضات النهضة: مسار علني تستعمل فيه التصريحات الهجومية والاتهامات بالخذلان ضد التيار والشعب، ومسار مخفي عن الأنظار، سادته أساليب الإغراء والإغواء، مع قلب تونس والمؤلفة قلوبهم. في المسار الأول، كان المفاوضون يذهبون ويستمعون، ولا يعرضون شيئا، وعند العودة إلى قواعدهم يطلقون حملات التشويه والتخوين. المسار الثاني ليس موضوع تركيزي، لأن الجميع يتوقع أنه كان “عقلانيا” وودودا، إلى أبعد الحدود. سيكتشف من لا يريد أن يرى، لحد الآن، إلى أي مدى كان الأمر يسيرا، عندما سيطالعون قائمة أعضاء الحكومة القادمة.
هذه العقلانية غير أخلاقية، نعم، هي كذلك، وعلى أكثر من مستوى. السؤال الأول: هل الغاية من التحالف الذي ظهر البارحة هو إنقاذ البلاد، أم إنقاذ صورة الشيخ، أم إنقاذ الحزب؟ اعتقادي أنه كان يهدف لكل شيء، إلا انقاذ البلاد. من يريد أن ينقذ البلاد، يعرف أن إنقاذها يمر عبر الصدق، والنزاهة، وعبر اعتبارها قبل كل شيء أمانة. الإسلام السياسي غير أخلاقي، عكس الإسلام تماما. بل لعله أصبح شديد الوضوح أن الإسلام السياسي، الذي أصبح مجرد مرادف شقي للانتهازية وخيانة الأمانة، هو أكبر تشويه ممكن للقيم التي يفترض أنها للإسلام. هذا أحد دروس البارحة في المجلس، وأحد دروس السنوات الخمس الماضية، وسيتوضح أنه أيضا درس تشكيل الحكومة القادمة.
لا أعتقد أن سياسيا يملك لنفسه ذرة من الإحترام، يمكن أن يشارك في حكومة يشكلها هكذا تحالف. من يتبجح بأن الوضع لا يحتمل، يجب أن يكمل الجملة: هل الوضع يحتمل استمرار الخديعة، والكذب السري والعلني، وخيانة الأمانة؟ قناعتي أن الوضع يحتمل كل شيء، إلا ذلك. من كان طيلة أسابيع، بل أقول سنوات، يطبخ لأبنائه الحصى، لا يمكن في نهاية الأمر أن يقدم لهم سوى الحصى!
ما يثير القرف فعلا هو درجة الإحتقار العالية التي يعامل بها الأبناء، حيث تنتقل إليهم بالتدريج عدوى التناقض القاتلة بين الأخلاق والسياسة. في الواقع، في كل واقع، لا أخلاقيون كثر، ولا أعتقد أنهم يتألمون كثيرا إذا ازدانت صفوفهم بقادمين جدد.
بهكذا توليفة، هل بإمكان أحد أن يتوقع نتائج مبهرة، في الإقتصاد والثقافة وكل ميادين حياة الناس؟ مع ذلك أنا متفائل، لأن للخديعة عمرا، نهايته عندما يأتي يوم لا تحتاج أن تصرخ فيه “هذه خديعة”! الناس يتعلمون، ولا ينسون. من ينسى هم المخادعون.
عندما أفكر فيما جعل الناس يصوتون لقيس سعيد، وفي كلام قيس سعيد عن الأمانة، عن المال العام، عن أوجاع الناس، عن ابتسامة الرضيع، لا أجد لتوليفة البارحة سوى توصيف واحد: معاقبة الناس على اختيارهم الأخلاقي، ودفعهم مجددا إلى اليأس… ليس كل ذلك سيئا في نهاية الأمر…. فالناس يتعلمون.