عبد اللطيف دربالة: بعد كلّ الإتّهامات الخطيرة.. ونعته بالأخطبوط: تسوية غامضة وسريعة وسهلة من الوزير غازي الشوّاشي مع مروان المبروك..!!
كتب المحامي والمحلل السياسي عبد اللطيف دربالة تدوينة مطولة على حسابه بالفيسبوك تحدث فيها عن سرعة ابرام وزير املاك الدولة لتسوية وصفها بالسهلة والغامضة والسريعة مع مروان المبروك وذلك بعد ان وصفه سابقا بالأخطبوط الذي يتحدى الدولة.
وقال دربالة:
– – – –
وزارة أملاك الدولة استبقت سقوط الحكومة بساعات لاستعجال إبرام تسويات وإتّفاقات بالجملة لصالح أزواج بنات بن عليّ الثلاثة.. وقدّمت للفرنسيّين شركة “أورنج” على طبق من ذهب كما طلبوا..!!!
– – – –
– –
.. والحكومة توشك على السقوط عشيّة يوم 15 جويلية.. وقبل 24 ساعة فقط من تقديم لائحة سحب الثقة ضدّ رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ وحكومته.. وتقديمه إستقالته لاحقا.. وفي ما كانت كلّ النّذر والمؤشّرات الواضحة تنبأ بحدوث ذلك بين ساعة وأخرى..
فوجئ الرأي العام بإعلان وزير أملاك الدولة غازي الشوّاشي عن تسوية “وديّة” مع أصهار الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي الثلاثة من زوجته الأولى.. وهم مروان المبروك (منفصل الآن).. وسليم شيبوب وسليم زرّوق.. لكنّ الأحداث السياسيّة الساخنة اللاّحقة ألهت الناس عن التركيز والتثبّت في ذلك الخبر وتفاصيله..!!
–
بعد اتّهامات خطيرة من الوزير غازي الشوّاشي ضدّ مروان المبروك.. وتصعيد إعلاميّ كبير.. وتشنّج وصل إلى حدّ نعته بالأخطبوط الذي يتحدّى الدولة.. جنح الوزير الشوّاشي إلى تسوية سهلة وسريعة.. وغامضة.. مع المبروك في خصوص قرارات مصادرة أملاكه التي لم تنفّذ.. والتي دخلت في مسار قضائيّ طويل استغرق سنوات.. دون أن يقع توضيح أيّ تفاصيل وافية.. عدا الإعلان عن استرجاع الدولة لأسهمه في شركة “أورنج” عبر وضع يدها على شركته “إنفستاك” (“INVESTEC”) المالكة لها..
وقال الشوّاشي في حوار صحفي نشر صباح يوم الأربعاء 15 جويلية 2020 بجريدة “الصباح”.. أنّ الدولة تسير اليوم في اتجاه الايفاء بتعهداتها تجاه الشريك الفرنسي وستبيع مجموعة من الأسهم في أورونج تونس تتجاوز قيمتها 170 مليون دينار ستذهب للبنوك.. على اعتبار أنّ هذه الأسهم رهنا لدى البنوك التونسية المحتاجة إلى سيولة لتمويل المؤسّسات والاقتصاد في ظلّ الأزمة الحالية.. كما جاء في نصّ التصريح..
–
تصريحات ومعلومات وزارة أملاك الدولة ووزيرها الشوّاشي كانت شحيحة جدّا في خصوص تفاصيل “التسوية”..
ممّا يضع نقاط استفهام كثيرة..!!!
فهل أنّ كلّ مشكلة تنفيذ أملاك مروان المبروك كانت مصادرة أسهم شركة أورنج فقط..؟؟!!
هل وقع وضع اليد على أملاك أخرى..؟؟!!
هل وقع التنازل في نطاق التسوية الاتفاقيّة عن تنفيذ قرارات المصادرة في ما يخصّ بعض الأملاك..؟؟!!
لأنّه إذا ما كانت الدولة وضعت فعلا يدها على جميع أملاك مروان المبروك المصادرة بمقتضى مرسوم 2011.. فلا معنى للحديث عن تسوية وديّة وإتّفاق.. باعتبار أنّ كلمة “تسوية” و”الاتّفاق الودّي” في العرف القانوني والقضائي يحيل على تنازلات من الطرفين أو أحدهما عن جزء من حقوقه..!!
من المعلوم للجميع أنّ الأملاك المصادرة لمروان عديدة ومتنوّعة وذات قيمة.. ولا تشكّل أسهمه (51%) في شركة “أورنج” على ضخامة قيمتها.. إلاّ جزء من تلك الأملاك الثمينة بدورها.. والتي من بينها أسهم بشركات كثيرة وعملاقة أيضا.. منها بنوك وشركات تأمين ومؤسّسات ماليّة وشركات إستثمار وعقارات ومراكز تجارية وشركات للتوزيع ومغازات كبرى وغيرها الكثير..
إلاّ أنه لم يرد أيّ خبر حول التنفيذ أو استرجاع الدولة لأملاك أخرى لمروان المبروك إلى حدّ اليوم طبق ما هو معلن للعموم..
–
كنّا ومع عودة الحديث عن ملفّ مصادرة أملاك مروان المبروك.. قد شرحنا في مقال سابق.. بأنّ الشركة الفرنسيّة الشريكة بنسبة 49% “أورنج”.. تنتظر التفويت لها في نصيب مروان المبروك.. نظرا لكون عقد اتّفاق صفقة المشغّل الثالث للهاتف الجوّال في عهد بن عليّ تقتضي أنّه في حالة خروج شريك فإنّ الشريك الآخر يملك الأولويّة في شراء نصيبه..
وأوضحنا بأنّ نفس تلك “الغلطة” حدثت إبّان مصادرة أسهم صخر الماطري وحمدي المدّب في شركة “أوراسكوم ـ تونيزيانا” (“أورويدو” حاليّا).. ببيعها لاحقا تنفيذا لاتّفاق مماثل إلى شركة “كيوتل” القطريّة.. وأنّه لا ينبغي تكرار الخطأ.. ويجب البحث عن صيغة أخرى.. لكون هذه الشركات مربحة جدّا.. وتبلغ أرباحها السنويّة مئات ملايين الدينارات.. يعاد تصديرها إلى المساهمين الأجانب كلّ عام بالعملة الصعبة.. وهو ما يشكّل نزيفا لا ينتهي.. ونقصا فادحا في العملة الصعبة لأرباح وقع تكوينها في السوق التونسيّة بالدينار التونسي.. وحرمانا لتونس من إعادة تدوير تلك الأرباح في الإقتصاد الوطني.. باستثمارها من جديد في بلادنا عوض تصديرها إلى الخارج..
–
كانت المصلحة الوطنيّة تقتضي والحالة تلك.. القطع مع الممارسات القديمة بعد أن ثبت فشلها وخيبتها.. وذلك إمّا بممارسة أمر سياديّ باعتبار أنّ المصادرة هي غير التفويت.. بحيث يقع وقف الشرط الاتّفاقي السابق بتكييف قانوني معيّن.. أو بمفاوضات قويّة مع الطرف الآخر..
أو إن تعذّر ذلك ولزم الأمر.. فإيجاد صيغة لحلّ يُبقي الأسهم المصادرة في شركة “أورنج” بين يدي مروان المبروك.. مع سداد قيمتها للدولة..
أو إن كانت التسوية لتنفيذ مرسوم المصادرة تخصّ التنفيذ على أملاك دون أخرى.. (افتراضا لغموض الموضوع حتّى الآن).. فكان يمكن حصر تسوية تنفيذ المصادرة في أملاك أخرى لا في شركة “أورنج”.. خاصّة وأنّ مروان المبروك مقيم بتونس وله استثمارات كبرى بها.. ويعمل على تنميتها باستمرار.. ويفترض والحالة تلك أن يعيد استثمار أرباح “أورنج” السنويّة في بلادنا ولا حقّ له في تصديرها للخارج بالعملة الصعبة كلّ عام لكون شركته تونسيّة.. بما يخلق فرص عمل ويخلق الثروة.. عوض تركها ليقع إعادة إستثمارها في الخارج وتستفيد منها دول أخرى..!!
–
لكن وخلافا لكلّ ذلك.. فقد ظهر الأمر وكأنّ الدولة من خلال وزارة أملاك الدولة.. قدّمت في الواقع “خدمة” للشركة الفرنسيّة.. بأكثر من خدمتها لتونس..!!
أو هذا على الأقلّ ما يظهر الآن بفعل ما نشر من أخبار قليلة في الخصوص..
حتّى أنّ أوّل تصريح في الموضوع للوزير غازي الشوّاشي كان بالتأكيد على أنّ الدولة التونسية ستحيل تلك الأسهم للشركة الفرنسيّة وتفي بتعهّداتها.. وكأنّ مسارعته بذلك التصريح هو تطمين للطرف الفرنسي بأنّ كامل الشركة في طريقها أخيرا إليهم.. وأنّ “المهمّة نفّذت”..!!!
ومن المعلوم بأنّ المساهم الأكبر بشركة “أورنج” فرنسا المالكة لحوالي نصف شركة “أورنج تونس” هي الحكومة الفرنسيّة نفسها..!!!
فالدولة ستضع يدها على نصيب مروان المبروك في شركة “أورنج تونس” ثمّ ستبيعها للفرنسيّين.. وستقبض مبلغا من المال ثمنا لها.. ولن يكون الثمن مهما بلغت قيمته إلاّ ما يعادل أرباح سنوات قليلة فقط للشركة.. وستدفع منها طبق المعلن من الوزير الشوّاشي مبلغ 170 مليون دينار للبنوك المقرضة..
وكانت شركة أورنج الفرنسيّة قد سعت بإلحاح ومنذ سنوات إلى إتمام الإستحواذ على كامل رأسمال شركة “أورنج تونس” عبر شراء نصيب مروان المبروك المصادر.. لكنّ تمسّك هذا الأخير بالشركة والتعقيدات القضائيّة في تنفيذ مرسوم المصادرة عطّلت تلك الصفقة.. وهاهي فرنسا تحصل عليها أخيرا..!!!
–
هكذا ستحقّق حكومة الفخفاخ ووزارة أملاك الدولة مصالح الفرنسيّن.. بإعطائهم كامل شركة “أورنج تونس” كما سعوا وطلبوا منذ مدّة.. وذلك على طبق من ذهب قدّمه لهم وزير التيّار الديمقراطي غازي الشوّاشي..!!!
–
في نفس السياق كان الإعلان متزامنا تقريبا مع تسوية لوضعيّة صهري الرئيس الأسبق.. لكن بسياق مختلف.. فقد حصل سليم شيبوب على قرار في التحكيم والمصالحة من هيئة الحقيقة والكرامة بتسديد مبلغ 307 مليون دينار للدولة.. وقرار بمبلغ 33 مليون دينار بالنسبة لسليم زرّوق.. ويبدو بحسب ما أعلن عنه أنّه سيقع تقسيط دفع ذلك المبلغ.. وفق إتّفاق تسوية لم يعلن عن تفاصيله هو أيضا حتّى اليوم..!!
–
هكذا فإنّ غازي الشوّاشي وبينما كان زلزال سياسيّ قويّ يضرب الحكومة التي هو عضو فيها وأحد أركانها المقرّبة من إلياس الفخفاخ نفسه.. باعتبار إنتمائه لحزب التيّار الديمقراطي.. وكان مصير حكومته آيلا للسقوط بين ساعة وأخرى.. فإنّ الشوّاشي ترك كلّ تلك التطوّرات والمخاطر والصراعات.. وركّز في إيجاد تسوية سريعة وخاطفة مع أزاوج بنات بن عليّ الكبريات..!!!
وإن كان البعض وخاصّة قيادات وقواعد حزبه سوّقوا لتلك التسويات على أساس أنّها إنجازا مبهرا استرجعت الدولة بموجبه جزء هامّا من أملاك الدولة.. ويدلّ على حرص وزيرهم على العمل “إلى آخر وقت” رغم الظروف السياسيّة المضطربة.. واستعداده لمغادرة الحكومة..
فإنّ البعض الآخر قد يرى على العكس تماما أنّ ذلك الاستعجال فيه غرابة.. ويعتبرون أنّ حرص الوزير غازي الشوّاشي على إتمام تلك التسويات على عجل قبل سقوط الحكومة.. قد يكون مقصودا لكون إمضائها بعد إستقالة الحكومة أو تقديم لائحة سحب في شأنها.. أي في فترة “تصريف الأعمال”.. قد يصبح مستحيلا.. وإن حصل فقد يثير الإنتباه والشبهات.. وهو ما جعله يسارع بها في الساعات الأخيرة رغم العاصفة السياسيّة..!!
فهل أنّ الأمر يتعلّق بـ”تسويات” فعلا.. أم بـ”شبهات”..؟؟؟!!!
–
ربّما كان الوضوح وحده هو ما قد ينير ملابسات هذه القرارات الأخيرة..
وعلى وزارة أملاك الدولة أن تصدر للرأي العام ملابسات وتفاصيل إتّفافيّات التسوية مع أصهار بن علي.. وخاصّة في ما يخصّ مروان المبروك..
فإن امتنعت الوزارة عن التوضيح.. وجب على الجمعيّات المختصّة البحث في الموضوع..
علما وأنّ مرصد “رقابة” الذي يشرف عليه النائب السابق عماد الدايمي.. قد قدّم يوم أمس الخميس 16 جويلية 2020 مطلب نفاذ إلى المعلومة للاطّلاع على جميع المعلومات الخاصّة بالاتفاقيات الأخيرة المذكورة..
وسننتظر ما يظهر من معطيات ووثائق إضافيّة في الموضوع..!!!