ظاهرة العنف والجريمة تستفحل في مجتمعنا التونسي :” الروح ولات كيف الذبانة” …ما هي الأسباب

تونس – الجرأة الأسبوعية : محمد عبد المؤمن

يعيش مجتمعنا التونسي في هذه الفترة مرحلة خطيرة من حيث تنامي ظاهرة الجريمة والعنف. هذا السلوك الذي يعد موجودا في كل المجتمعات فليس هناك مجتمع مثالي ولا مدينة فاضلة تنامى بشكل خطير وغير مفهوم . وهنا نحن نتحدث عن الجرائم الفظيعة والوحشية وغير المبررة لان الاسباب عندما تحلل يكتشف كونها بسيطة ولا يمكن ان تؤدي الى تلك النتائج.

فقد تحصل جريمة من اجل سلب هاتف او مبلغ من المال او مجرد خلاف بين شخصين او جارين والنتيجة طعن وقتل وازهاق ارواح بشرية.

ما الذي اوصلنا الى هذه الوضعية؟

 

“البراكاجات” الوجه الأخطر للجرائم

 

في البداية علينا ان نعرج على مفهوم يستخدم في بلادنا وهو البراكاجات بما انها اشد الجرائم خطرا وهي الاعتداء بالعنف من اجل السلب والنهب.

مصطلح “براكاج” يحيل على السرقة وافتكاك أملاك الغير باستخدام العنف و التهديد به أي انها اعتداء غير مخطط له ضد شخص بعينه بل ان الصدفة هي الاساس هنا فالشخص المعتدي في نيته افتكاك وسلب احد المارة ما يملك لكن من دون قصدية شخص بعينه وهو ما يعرف شرعا بقطع الطريق او الحرابة وهي مصنفة شرعا من اعمال الفساد في الارض وفي القانون اعتداء على النفس البشرية وتهديد حياتها وممتلكاتها.

و البراكاج هو عنف شديد بل هو مصنف كأخطر الجرائم  لذلك فقد تشدد القانون في التعامل معه حيث تسلط اقصى العقوبات على المعتدي اي الجاني.

“البراكاج” تتضرر منه النساء اكثر من غيرهن نظرا لعدم قدرتهن على الدفاع عن انفسهن والهدف سلبهن مصوغهن او حقائبهن وعادة ما تتم العملية من قبل شخصين الاول يتولى السلب والثاني يقود دراجة نارية للفرار.

هذا المتداول لكن في الفترة الاخيرة صارت البراكاجات تنفذ من افراج وفي وضح النهار ان كان في وسائل النقل او الطريق العام وقد تؤدي الى ارتكاب جريمة قتل شنيعة مثلما حصل في حي النور بالقصرين او في عين زغوان حيث تحول البراكاج الى عملية اغتصاب فقتل .

 

نظرية المؤامرة

 

تصاعد هذه الظاهرة جعل رئيس الجمهورية قيس سعيد يطرحها في الاجتماع الاخير لمجلس الأمن القومي ويصنفها كونها خطر كبير لكنه هنا يربطها بسبب آخر غير تردي الظروف الاجتماعية والفقر بل بكونها مؤامرة تحبكها اطراف ما لنشر الفوضى في المجتمع.

هذا التبني للمعضلة وان كان يندرج ضمن نظرية المؤامرة الا ان فيه جانبا من المنطق لان الامر تفشى في الفترة الاخيرة بشكل كبير لكن مع توضيح مهم وهو ان القادح للجرائم قد لا يكون مباشرا بل عبر اغراق البلاد بالمخدرات وما يسمى حبوب الهلوسة التي تفقد الشخص مداركه وتخلق منه شخصا عدوانيا قد يقتل لأتفه الاسباب .

مسألة اخرى علينا رصدها وهي ان اغلب الجرائم تتعلق بشباب في مقتبل العمر وهي مسألة تتطلب دراسة وتمحيص من المختصين في علم الاجتماع.

فلا تكفي التفسيرات التقليدية كون الدافع هو الفقر والبطالة وتردي الاوضاع الاجتماعية فقط بل الامر يتجاوز هذا وان كانت هذه العوامل لها علاقة بتفشي الظاهرة أي انها اسباب لكنها ليست الوحيدة.

هنا علينا ان نربط الامر بانعدام الامل والرغبة في الحياة وفقدان الرغبة في بناء المستقبل أي ان هؤلاء الشباب عندما يقتلون شخصا ما فكأنهم في لا وعيهم يقتلون انفسهم او يعاقبون ذواتهم حيث ان عقلية اللامبالاة تخلق شخصا متمردا على القوانين والضوابط الاجتماعية والدينية والتقاليد التي تربى عليها المجتمع منذ قرون.

فلا يمكن تفسير حصول جريمة قتل من اجل حفنة قليلة من المال او هاتف جوال  بالتفسير العادي المتداول بل لا بد من تفسيرات اعمق واشمل تمس الظاهرة في جذورها وعمقها وحقيقتها .

وهي مجال بحث علماء الاجتماع فهم الاقدر على التفسير ولا وجود لحلول للظاهرة الا بفهمها وتحليلها.

 

نشر هذا المقال في الجرأة الأسبوعية

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى